بقلم /د. سندس القيسي.
الانسحاب هو التراجع في الحديث او العمل عن طريق الصمت او الكبت او الانفصال عن الاخرين .فالانسحاب الذي يحفظ كرامتك يكون بحد ذاته انتصار . فاكثر ما اتقنه هو التحدي واكثر ما برعت فيههو الانسحاب .
في بعض الاحيان ينتهي دورنا في حياة شخص او مشروع او مؤسسة هنا ينبغي ان نفكر ونستسلم بهدوء وكل ما يلزمنا لنكون بخير ان تكسب لباقة الانسحاب لان البقاء الطويل والمساس بك هو الفشل بحد ذاته .
ليس كل منسحب جبان ولا كل ثابت شجاع وبعض الانسحاب شجاعة تحافظ على ما تشتت من داخلك وبعض الثبات جبن فالاعتذار انسحاب من ساحة الظلم والاصرار على الاذى وما هو الباطل والجميع يحترم من غادر القطار ما دامت وجهته تعيق احترامك لنفسك ويعلمون ان نهاية الطريق الا مساس بعزة نفسهم .
فنحن نتخذ القرارات يوميا منها ماهو بسيط لا بحتاج التفكير ومنها ماهو مصيري وقد يكلفك كثيرا من الجهد وان التاني باتخاذ القرار حكمة ودراسته من جميع زواياه فطنة والمضي فيه يحتاج عزيمة من حديد لكن التراجع عنه يحتاج شجاعة وصبر وتحتاج ان تدرك حجم وحدود قدرتك وان تقبل نفسك كما هي ولا تكلفها ما لا تطيق ولا تضحي بكرامتك وعزة نفسك من اجل البقاء في مع شخص او مكان تحبه او تشعر بالانتماء اليه .
فانك تختار جامعة او اختصاص تحبه وبعد فترة تشعر بانه لا يناسبك او اكبر من قدرتك او لا يرضي ما تبغي له .فلا تتمسك فيه لتثبت للاخرين بانك بطل خارق لانك بعد فترة من الزمن سوف تنظر الى ما فاتك وتشعر بالندم كن سيد نفسك واختر ما تشعر به واختر ما يرفع من ثقتك بنفسك لا ما يكسرها ما يمكنك ان تضيء لا ان يجعلك مظلم لان هذا هو اخسران لذاتك .فان الخسران الحقيقي هو خسرانك لذاتك وان تمر السنين وتكتشف بعد فوات الاوان انك لا تستطيع الحفاظ على شخصك الطيب بل اصبحت كبفية القطيع مجرد نسخة زائدة بعد ان كنت تحفة نادرة .
فان المكان الذي يخدش داخلك ويؤذي كرامتك وتمليء صدرك بالاحباط مهما كان غاليا فتاكد بان نفسك وداخلك اعز ولها حق عليك فان بعض العاهات لا دواء لها الا البتر ورؤية الجسد ناقصاليس بالمنظر الذي تحبه العيون لكن الطبيب يختاره مكرها لان الكل اهم من الجزء اذا المفروض قطع الترابط خفاضل على السلامة الداخلية وهذا لم يكن نهاية العالم ولو نفقد مكان غالي او جزء من جسمنا ولكن سوف نخافظ على داخلنا وكما قال الشاعر .( ستالف فقدان ما فقدته كالفك وجدان ما انت واجد )
ان الكلام سهل ولكن تطبيقة صعب فاختيارك للاقامة والمدرسة والجامعة والاختصاص والاصعب الابتعاد عن ما تحب بسبب الداخل .
ورغم هذا فالقرار يحتاج الشجاعة والصبر والتاني والدراسة لان الانسحاب في بعض الامرار وقاية والوقاية خير من العلاج ..
ادرس الاسباب قبل قراراتك المصيرية لكن عندما ترى ان الامور تسير عكس التيار وان الثبات تقيد وسجن وجرح للنفس لا تبتئس ولا تستسلم بل اجمع شجاعتك وانسحب مرفوع الراس . كن فخورا انك اخذت القرار الصائب وخذ استراحة محارب لتجمع فيها ما تشتت منك وترحم على ما تهدم وضمد ما اصابك من جراح واعلم ان الاخطاء هي اساتذتنا في الحياة ومنها نتعلم وان الوقوع لا يعني الفناء الا عندما تقبل ان تكمل حياتك جاثيا .
اذا كانت اسقام الاجساد تداوييها العقاقير فامراض النفوس تداويها الكلمة الطيبة التي تزيد مناعة الروح لتقاوم ما يؤذيك وتعيد تدفق النور في شرايين الطين....
والانسحاب ليس فشل والابتعاد عن البقاع التي لا تهبك وجودك وعن الارض التي لا تناسب بذور روحك ليس هروبا وكثيرا من الناس يظن انها خسارة وانهزام وهو في الحقيقة اثمن مكسب .
والانسحاب ليس استسلام بل غالبا يعني صمدت كثيرا لذا تعلم بان تعطي غيابك لمن لا يعرف قيمة حضورك . وعليك ان تدرك ان ليس كل تراجع وانسحاب هزيمة بل قد تكون هو الانتصار بعينه وخصوصا عندما تركب قطار ذاتك وعزة نفسك ...
د. سندس القيسي