.الاستاذ /نشوان ذنون عبد الله
للتوثيق والذكرى بمناسبة إنتهاء أزمة البنزين .
لا أستطيع أن أشكر أزمة البانزين .
نعم فبالرغم . من أنه في كل مضرة هناك منفعة .
لكن أقول هكذا نحن العراقيون . نصنع الحياة ونحن نترنح بتأثير الضربات . أزمات تتلوها أزمات . لكننا ما زلنا ننهض بالحياة من بين أشلاء الموت . و نحن تملئنا الجراح و المآسي و الكدمات . فمع كل موقف نتعلم درس . و مع كل حدث نتعلم حكمة . وهكذا نتعايش مع كل أزمة .
اليوم هو الخميس ٧ / ٧ / ٢٠٢٢ الموافق ليوم التروية من شهر ذي الحجة لسنة ١٤٤٣ هجرية .
خرجت من بيتي في الساعة الرابعة فجراً متوجهاً نحو محطة تعبئة وقود (بانزيخانة إبن الأثير ) في حي الشفاء في مدينة الموصل الحبيبة . و كُلي ثقة بأني سأكون أول الواصلين . فإذا بي أجد نفسي آخر من وصل فمئات السيارات تسبقني في الحظور بِعدَة ساعات . ففوضت أمري الى الله و إستجمعت صبري وأخذت موقعي في الوقوف قرب حديقة (دورة قاسم الخياط) فمازال أمامي طرق طويلة . متعرجة و ملتوية . كَلُعبة الدرج و الحية . في تلك الأزقة الضيقة و الداخلية (لمحلة الأحمدية) في الموصل القديمة . وماتزال الساعة في يدي . تشير الى الرابعة و الربع فجراً . و (البانزيخانة) لا تفتح أبوابها إلا بعد (٣) ساعات أي في الساعة السابعة و الربع صباحاً .
في خلال ساعات الإنتظار هذه . تعلمت درس و فهمت معنى فأردت أن أقول
لا شكر لأزمة البنزين .. التي علمتنا الصبر مجبرين على تحمل فظاعة ساعات الإنتظار الطويلة . فهذه الأزمة علمتنا على الإستيقاظ فجراً لنتنفس نسائم الفجر العذبة و نرى تباشير الصباح وهي تلوح بالأفق بلونها الإرجواني الجميل قبل أن تكتئب بسوء معاملاتنا النهارية .
لا شكر لأزمة البنزين .. التي جعلتنا نراقب جمال شروق الشمس و هي تستيقظ من غفوتها على أكتاف جبل مقلوب . وتنبثق بخجل من بين طيات و ثنايا البيوت العتيقة لموصلنا القديمة .
لا شكر لأزمة البنزين .. التي جعلتنا ننضبط في ترتيب الوقوف دون التجاوز على حقوق الأخرين و نسامح إذا ما تعثر أحدهم أو تجاوز في الترتيب .
و نصبر إمتعاضاً إذا جاء من لا يستحق ليدخل بسرعة على حساب وقتنا و بدون وجه حق .
لا شكر لأزمة البنزين .. التي وفرت بعض فرص العمل ولو قليلة لبائع الماء و بائع الشاي و بائع الكعك و بائع عربة شوربة العدس و الحمص و الصمون الحار ليجتمع عليها الصديق و القريب و الغريب بمحبة و كأنهم إخوة على مأدبة إفطار واحدة .
لا شكر لأزمة البنزين .. لأنها جعلتنا نتعرف على أصدقاء جدد و نتشارك معهم المشاعر فنسمع أحاديث جميلة و قصص مشوقة و نفضفض بأحاديث كثيرة بصدق النية و عفوية الموقف . و بما كان يعتلج في صدورنا و خبايا نفوسنا . نبوح بها لأشخاص لا نعرفهم بل نراهم لأول مرة و ربما آخر مرة .
لا شكر لأزمة البنزين .. التي حلت بعض عقد الكذب بأحاديث الصدق و الصراحة بلقاءات لم تكن في الحسبان و لم تخطر على البال .
لا شكر لأزمة البنزين .. التي جعلت الغني و الفقير . السمين و الضعيف . الطويل و القصير . ينتظموا في صف واحد ليتشاركوا الموقف بأفأفات خيبة الأمل على ما يجري .
لا شكر لأزمة البانزين .. التي أنقصت أوزاننا بكميات كبيرة من العرق المتصبب من أجسادنا بعد أن جعلت من سياراتنا حمامات ساونا متحركة و بأسعار مجانية . رغم وجود أجهزة التبريد التي لا تفي بالغرض (فشمسنا ملتهبة)
هكذا هم أهل العراق أهل بلدي و أهل مودتي . برغم المآسي و الصعاب و الرزايا و النكبات و تزاحم الهموم و الأزمات و إختلاف الرغبات . يخلقوا بطيبتهم جو من الألفة الصادقة بعفوية المواقف المتصلة (ولو مؤقة) بمزحة و نُكته و ضحكة و موقف و قصة و مثل . لينتصروا فيها على كآبة الساعات الطويلة من الإنتظار العقيم . في بحور واقعهم الأليم .
( أخيراً في أثناء كتابتي للمنشور و أنا في الطابور الطويل ) . كانت تراودني بعض ذكريات الطفولة و أنا أتذكر عندما كنا جميعاً نذهب الى المدرسة لإستلام نتيجة نهاية السنة كنا نخرج بمنتهى السعادة راكضين الى البيت و نحن نصرخ نجحتووووو نجحتوووو . الآن نحن نعيش نفس الموقف و المشاعر الجياشة . ولكن بعد خروجنا من (البانزيخانة) مبتسمين و نفوسنا تصرخ بإهزوجة الناجح . الحمد لله فولتوووو فولتوووو .
ملاحظة . أكملت تفويل السيارة و خرجت من البانزيخانة في الساعة العاشرة و خمسة دقائق صباحاً .
الحمد لله على الصبر الطويل ٦ ساعات نصل فيها الصين في طائرة . تم