.
(((من الموروث الشعبي))) .. بتصرف
الجزء ( ٢ )
فقال البزاز .. بل أنا أعتذر منك يا أخي .. كم كنت اتمنى أن أبيعك .. وكم كنت اتمنى ان تجد ما يناسبك في محلي .. خرج الرجل الكبير ومعه الشاب أحمد من محل البزاز .. فقال الرجل الكبير .. لقد تعبنا من المعاملة في السوق والبحث .. وأريد ان نجلس في أي مطعم لنأكل و نرتاح .. فوجدا مطعم قريب .. فدخلا اليه و جلسا فيه .. فجائهم صاحب المطعم و قال لهم أهلاً و سهلاً بكم .. تفضلا ماذا تطلبان .. فقال الرجل الكبير .. الثريد مع قطعة لحم جيدة .. (فضحك) صاحب المطعم .. وقال ( الثريد ) و هز رأسه بإبتسامة ثم قال على الرأس و العين .. وحين ذهب صاحب المطعم ليحضر الطعام .. قال الرجل الكبير لأحمد .. ما شاء الله .. إني أرى الصدق والتقوى في قلب هذا الرجل صاحب المطعم .. فقال أحمد .. لا أدري ياعم .. ولكني اجد البزاز صاحب القماش من أفضل الصالحين .. فقال الرجل الكبير .. نعم البزاز من الصالحين لكن ليس كصاحب المطعم .. فصاحب المطعم أرآه عنده قلب و عِلم و فطنه .. فجاء صاحب المطعم و وضع الطعام أمامهم .. و قال للرجل الكبير وهو يبتسم تفضلوا .. فقال الرجل الكبير .. يا أخي هل من الممكن ان تبدل لي قطعة اللحم هذه .. إني أراها صغيرة و غير ناضجة .. فقال صاحب المطعم .. ولكني أراها كبيرة و جيدة و ناضجة و لذيذة .. وأُريد منك ان تأكلها الآن بالهناء و الشفاء .. ثم ذهب صاحب المطعم لعمله .. وبقي الرجل الكبير و الشاب أحمد يجلسون .. والطعام أمامهم .. فقال الرجل الكبير لأحمد .. ألم أقل لك أن صاحب المطعم من أكابر الصالحين .. فقال احمد لكنه لم يهتم لما قلت له عن الطعام يا عماه .. ويريد ان يجبرك على قطعة اللحم التي إختارها هو لك .. فقال الرجل الكبير .. نعم نعم أعلم .. ورغم ذلك فهو من الصالحين .. ما شاء الله عليه .. إنه عابد ورع تقي وله قلب ذكي .. و يعرف ما يفعل و ماذا يقول .. و أرى أن كلامه ألذ من طعامه .. ثم سكت الرجل الكبير وقال لأحمد .. إن تسمح لي يا ولدي ساذهب لأغسل يدي .. فقال احمد تفضل ياعم .. وبقي أحمد ينتظر .. حتى جاءه صاحب المطعم .. فقال لأحمد لماذا لا تأكل .. فقال الشاب أحمد .. إني أنتظر عمي الرجل الكبير لنأكل معاً .. فإبتسم صاحب المطعم وقال لأحمد .. لقد غسل يده و ذهب عمك الرجل الكبير و لن يعود إليك أبداً .. فقال أحمد .. ماذا تقول يا عم و لماذا ذهب .. فقال صاحب المطعم .. لأنه لا يأكل في المطاعم .. فقال أحمد لماذا لا يأكل يا عم .. فقال صاحب المطعم يعز عَلَيَ يا ولدي .. أنك الى الآن لم تفهم .. فقال أحمد بلهفة ماذا أفهم يا عم .. فقال صاحب المطعم .. تفهم بأن عمك الرجل الكبير هو (الخضر عليه السلام ) .. فإندهش أحمد بحسرة .. وبصوت مخنوق تملئه العَبرَة .. وقال هاه .. ماذا تقول يا عم .. منذ الصباح و أنا معه .. و أحببته دون أن أعلم .. و علمني دون أن أفهم .. ولم يقل لي أنه (الخضر عليه السلام) .. حتى أني نسيت برؤيته طلبي برؤية (الخضر عليه السلام ).. فإبتسم صاحب المطعم و قال .. نعم يا ولدي ( إنه العبد الصالح ) أولياء الله يعرفونه .. فقال أحمد لصاحب المطعم .. منذ أن رأك قال عنك أنك من أهل الصلاح .. فإبتسم صاحب المطعم و قال .. هذا لأن الله سبحانه وتعالى ألهمني معرفته منذ دخوله معك .. وأشار هو لي ان لا أفصح عنه .. فقال أحمد .. آه .. لو تعلم ياعم كم أحببته .. و كم شعرت بالسعادة عندما صحبته .. لقد مررنا بقصاب .. كان يصلي على رسول الله بصوت عالي .. ولم نخرج من عنده حتى بدأ يشتمنا .. فضحك صاحب المطعم و قال .. ((أمثال هذا القصاب هم كثيرون )) و من يَدَعُون محبة رسول الله لا يُعَدون .. وفي أول إمتحان للمحبة يسقطون .. ذلك القصاب .. هو (( حلو اللسان قليل الإحسان )) يدعي محبة رسول الله و يحسب نفسه بأنه (ولي) و هو ليس كذلك ولا يعرف شيء عن محبة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) و عن محبة أولياء الله أو عن العفو و السماح و لين الجانب و الملاطفة .. فمحبته بلسانه فقط .. لأنها لا تلامس شغاف قلبه .. فمن يدعي المحبة بلا قلب .. و لا صدق و لا عمل .. و بلا حكمة و لا ذوق و لا وجل .. فسيظهر لك لسان القباحة على عجل .. و بلا حياء و بلا خجل .. و هذا لعمري هو الحماقة و الدجل .. و قاصمة الأجل .. فالخضر كان معه لكنه قابله بغضب و صلاتة اللسان .. فقال أحمد .. ثم مررنا ببزاز .. والله ياعم .. لقد أبدى لنا من الصبر الجميل .. والخُلق النبيل .. ما لا يتحمله إلا القليل .. فقال صاحب المطعم .. ذلك الرجل البزاز .. هو (ولي) ولكنه ( لا يدري) بنفسه أنه (ولي) مثله كمثل من (حفظ القرآن) دون أن (يفهم التفسير) و (يضبط الأحكام) .. فهو طيب القلب و صادق النية و كريم النفس و أمين الخلق و السجايا و الطباع .. لكنه لا يطلب العلم فإكتفى بطيبة قلبه .. ولهذا فهو أحب الخضر لكنه لم يعرفه .. والله يقول سبحانه وتعالى في العارفين { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد } .. فقال أحمد لصاحب المطعم وانت يا عماه ما انت .. فإبتسم صاحب المطعم و قال .. لا يعرف (الخضر عليه السلام) إلا أولياء الله سبحانه وتعالى .. الم تراه كيف ذهب .. بعد أن أوصلك لي .. وكأنك كنت عنده وديعة .. فجاء بك و أودعك عندي .. ثم رحل .. فألزمني بك .. و مع هذا فقد علمك أعظم درس .. و أبلغ حكمة .. و أفضل موعظة .. وهو في طريقه الي .. فأصل العبادة هو تقوى الله و خشيته و إتباع محبتة ( قل إن كنتم تحبون الله فإتبعوني يحببكم الله ) .. ما مدحني أمامك .. الا ليربط قلبك بي .. و أظن أنه قد أعطاك عدة إشارات و كلمات لتكون تلميذي النجيب المحبب .. فقال أحمد .. منذ البداية حين إلتقاني قال لي .. عليك ((بالعلماء العارفين)) و (( الأولياء الصادقين )) .. و كل ما جرى و حدث أمامي .. من اجل ان يوصلني إليك .. حتى إنه قال لي قبل أن يرحل .. أن كلامك ألذ من طعامك .. و يقصد بها حلاوة الذكر و الإيمان و العلم .. فأنت الآن أُستاذي و شيخي و معلمي .. فقال صاحب المطعم .. فإعلم ياولدي مع مهنتي في المطعم .. فإن باب الله هو مطلبي و رضاه مقصدي و تقواه بغيتي و الحشر مع حبيبه منيتي وطلب العلم حرفتي .. و إذا أردت أن تختصر كل الدروب للوصول .. فعليك الدخول من باب محبة الرسول .. صلى الله عليه وسلم .. محبة بقلب واثق .. و لسان صادق .. لتتبع فتعلم و تلتزم فتفهم .. فتكون بهذا الحب .. صاحب القلب الملهم .. تم