بقلم / استاذ نشوان ذنون
قُبلة و بصقة .. حقيقة و ليست مزحة ..
حدثني إستاذي د . إبراهيم ( رحمه الله ) .. قال كاننَ و هناك طبيب لا يحب أن يجلس في عيادته و قد أمضى سنين عمره وهو يتنقل بسيارته الخاصة بين القرى النائية إبتغاء الأجر والثواب .. فأصبح له معرفه تامه بكل أفراد وأهالي القرى و أخلاقهم النفسية من خلال متابعته المستمرة للجميع .. وكان للطبيب ولد ذكي .. كان قد دخل كلية الطب أيضاً وهو يرافق والده من أجل إكتساب الخبرة والفائدة في العلاج .. وفي أحد الأيام وصل الأطباء الأب و الإبن .. الى إحدى القرى النائية وقد حدث فيها شجار بين أبناء القرية .. وكان قد ضُرب أحدهم بسكين في بطنه (فدلقت) أمعائه فوق بطنه .. فأسرع الأب الى الجريح ( وقَبَلَ رأسه ) وبدأ يقوي من عزيمته ويقول له .. أنت بطل انت شهم أنت صاحب غييره انت شجاع أنت صاحب نخوة .. فرجعت الأمعاء لا إرادياً الى بطن الجريح .. و بدأ الطبيب يخيط بطن المصاب .. راقب الطبيب الصغير والده .. وفهم الدرس جيداً من والده الطبيب الكبير .. وجعلها تجربة مهمة في حياته لعلاج هكذا مواقف .. وبعد مرور سنه على هذه الحادثة .. مروا بقرية ثانية كان قد حصل فيها نفس الموقف .. وكان أحد أبناء القرية قد طعن بسكين و تتدلى أمعائه فوق بطنه .. وكان الأب قد تأخر قليلاً في سيارتة بعد أن نزل ولده قبله بدقائق من السيارة .. فوصل الطبيب الصغير ورأى الجريح فأخذ يقول له انت بطل انت شجاع أنت شهم .. وعلى هذا الموقف وصل الطبيب الأب ليرى إبنه في هذا الموقف .. فقال لولده إنهض وإفسح لي المجال و إنتبه لي .. فنهض الولد .. وجلس الأب الطبيب قرب الجريح و أول حركة (بصق في الهواء بصوت عالي) على الجريح .. و بدأ يأنبه و يوبخه بكلمات نابية .. يا لئيم يا خبيث يا غشاش الى متى ستبقى على هذا الحال يا محتال .. ألا تخجل من نفسك أيها الدنيء .. فرجعت الأمعاء الى بطن الجريح .. و بدأ الطبيب الأب يخيط الجرح في بطن الجريح .. أكمل الأب و الإبن علاج المرضى مع أبناء القرية .. حتى لم يتبقى أي مريض .. فغادروا القرية .. و مع صعودهم الى السيارة .. قال الولد لأبيه .. ألا تشرح لي يا والدي ما جرى (فأنا لم أفهم) .. فضحك الأب وقال .. يا ولدي انا أعرف كل الناس في هذه القرى .. ومن خلال معايشتي لهم عرفت أخلاقهم و طباعهم .. فهناك المؤدب والخجول والكريم والطيب والبسيط .. وهناك الخبيث واللئيم والدنيء والمحتال والخسيس .. وهناك من يخجل من الكلمة البسيطة .. و هناك لو قرعت فوق رأسه طبول الحرب من الشتائم فلا يتأثر ولا يهتم .. في العام الماضي كان ذلك الجريح ..( رجل ) بكل معنى الكلمة و أنا أعرفه عزيز نفس وكريم المنبت و الطباع و مؤدب و خجول وغيور .. وأما جريحنا هذا اليوم فهو نصاب محتال غشاش لئيم .. كانوا قد حذروني منه .. أهل القرية منذ سنين .. فأنا أعرفه جيداً .. فيجب ان تُسمعه كلمات نابية تليق بأخلاقه الفاسده ليرعوي و يفهم .. وها قد رأيت كيف بالشتائم عادت أمعائه الى بطنه .. يا ولدي الناس أجناس .. نعم خلقوا من طينه واحدة بكف الرحمن .. إلا أن هذه الطينة .. خلق منها الأبيض و الأسود و الأحمر .. الطيب و الخبيث .. الصالح و الطالح .. ليست كلها طاهرة فربما كان فيها من الشوائب و الأدران ما توزع على نصف البشر .. ولهذا ترى ياولدي الخير و الشر .. الحق والباطل .. نتقاسمه فيما بيننا في هذه الدنيا .. و كأبسط مثال هناك اولاد تسهر الليل كله تبكي ولا تذوق لذة النوم .. (بنظرة زعل) من عيون الأب أو (عضة شفه) من فم الأم .. او سماع كلمة هذا عيب أو هذا حرام .. وهناك يا ولدي اولاد لو أوقفتهم على شفير نار جهنم .. وقلت لهم أنتم الآن في يوم الحساب فسيضحكون و يأخذوا الأمور من باب الدعابة و السخرية والمزاح والإستهزاء .. بدون أي إهتمام .. هي هكذا حياتنا يا ولدي .. الدنيا لا يطيب فيها العيش أبداً .. لأن أهل الجنة يعيشون مع أهل النار .. في الآخرة يمتازون يا ولدي .. ويكون (فريق في الجنة وفريق في السعير) .. فتطيب الحياة في الجنة برضا الله و تشابه الأرواح و الأخلاق .. فإفهم يا رعاك الله وحاول أن تسيطر على مشاعرك في كل حال فلا (سعادة تدوم و لا حزن يبقى) و ( لا بر و لا فاجر ) .. (فكل حال يزول) .. فالأيام مهما طالت لياليها . نتقلب في مفانيها .. و (الوجوه مهما ألفناها فسيأتي يوم وننساها) .. كل شيء يتغير حتى عقولنا وأفكارنا .. وبعد ان كنا صغار بدأنا نكبر .. وبعد أن كنت حفيد ومدلل .. أصبحت جد و معلعل .. سنمر بجميع الأدوار .. صغار كنا أم كبار .. وسينتهي بنا الحال بمشهد في كل البيوت يتكرر .. فهنيء لمن فهم الدرس و أعد العدة لذلك اليوم و إعتبر .. تم