بقلم الإعلامي اللبناني عباس ضاهر
كان يسود الإعتقاد في عواصم إقليمية أن الدولة السورية سُحقت بفعل الحرب التي بدأت فيها قبل عشر سنوات.
لم يعتقدوا يومها أن الرئيس السوري بشار الأسد قادر على الصمود وقيادة المواجهة الصعبة. لكن شخصية وطبيعة ومزايا الأسد ثبّتوا الدولة السورية في وجه الأعاصير التي واجهتها على كل صعيد سياسي وعسكري وإقتصادي. ومن هنا تحديداً أتى تقدير السوريين لرئيسهم الذي قاد معركة الحفاظ على الدولة، فترجموا ذلك في صناديق الإقتراع والمسيرات والفعاليات الشعبية والإحتفالات التي عمّت سورية خلال الإنتخابات الرئاسية التي جرت منذ أيام.
صحيح أن معركة دمشق متواصلة لتثبيت النصر على الإرهاب، وإسترجاع ما تبقّى من أراض سورية محتلة شمالاً وشرقاً وجنوباً، وإستعادة عافية دولة انهكتها حرب طويلة، لكن الأسد المتأهب لتحقيق ذلك، آن الآوان كي يتفرّج على ما يحصل في الإقليم والعالم: الرسائل العربية والغربية تتسابق الى دمشق من أجل ترتيب العلاقات مع الدولة السورية. هناك عواصم تستعد لإعادة فتح سفاراتها وقنصلياتها وتفعيل التنسيق الأمني مع السوريين. الأهم هو إعتراف العرب ضمناً بأخطائهم التي ارتكبوها في سورية طيلة عقد من الزمن، وها هم اليوم سيطلبون من دمشق العودة الى جامعة الدول العربية. لن تُقدم تلك الجامعة شيئاً لسورية ولا عادت الجامعة فاعلة أساساً، لا شكلاً ولا مضموناً. لكن عودة سورية إليها، بعد عودة العرب الى الشام، هو إعتراف رسمي عربي شامل بالنصر السوري.
سيسامح الأسد أشقاءه العرب على ما ارتكبوه يوم رموه في جب الأزمة. وسيتعامل الرئيس السوري مع الغرب بعقلية رجل الدولة بما تقتضيه مصلحة بلاده العُليا في الحفاظ على السيادة الوطنية وإعادة دور سورية المحوري. لكن الأسد المُنتصر والمتأهب يفرحه ما يجري في فلسطين. هو عبّر عن ثوابته امام وفد فلسطيني التقاه في دمشق في عز التحضير للإنتخابات الرئاسية خلال الأيام الماضية. بينما يحلّ الآن خبر هزيمة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في "تل أبيب"، ليفرض وقائع إيجابية إضافية على المشهد الإقليمي. يدل التخبط الإسرائيلي على تراكم أزمات "الإسرائيليين"، في زمن انتصار الفلسطينيين ونصر السوريين.
نجح زعيم حزب “يوجد مستقبل” الإسرائيلي يائير لبيد، المفوض بتشكيل الحكومة الإسرائيلية في التوصل لأغلبية ائتلافية لتشكيل الحكومة الجديدة قبل ساعة من نفاد المهلة الرئاسية. وبذلك تلقى نتانياهو ضربة قاتلة ستزيد من حجم الأزمات الإسرائيلية:
أين نتانياهو الذي حاول قلب النظام في سورية، ودعم المجموعات المسلحة بالتدريب والتسليح والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، وحاول فرض منطقة موالية له في جنوب سورية؟ يسقط نتانياهو الآن بعدما سبقته انتكاسة مشروع الابتلاع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وهزيمة مشروع التمدّد نحو سورية بينما يفوز الأسد بعدما ثبّت نصر بلاده ضد المسلحين وداعميهم. تلك المؤشرات تدل على عناوين المرحلة الجديدة في الإقليم، في ظل التحضير لتفاوض أميركي - ايراني مرتقب، والرغبة الإقليمية في طي صفحات الأزمات، وخصوصا العربية.
عباس ضاهر