مشكلة اليمن كانت دائمًا هي تزييف الوعي وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها ، حركة الإخوان المسلمين أطلقنا عليها تجمع يمني للإصلاح والحزب اليساري الماركسي أطلقنا عليه صفة الحزب الاشتراكي اليمني ، الحركات القومية في اليمن لم تتجاوز الجغرافيا المناطقية في حضورها السياسي وفي بنيويتها التنظيمية ، لو أن الإصلاح شكل مجلس للإرشاد واشتغل على هذا الأساس وعلق صورتي سيد قطب وحسن البنا على واجهة مقراته لكان أكثر شفافيةً ووضوحاً ، ولو أن الحزب الإشتراكي اليمني استمر يشتغل على الماركسية اللينينية بعيداً عن محاولات التحول إلى يسار الوسط أوليبرالية جديدة لا ملامح لها لأستمر في إثراء الحركة السياسية والثقافية في اليمن ، وهكذا الحال بالنسبة للناصرية ولحزب البعث الذي لم يتجاوز شرجب او بعض مناطق ذمار وإب ، حتى أن احداث اغسطس الطائفية في عام 1968م بين الزيود والشوافع البسوها ثوبًا ايدولوجيًا أكبر منها الزيود حزب البعث والشوافع القوميين العرب ولا هؤلاء قوميين ولا أولئك بعثيين ، الحرب الأخيرة التي تدور رُحاها منذ سبع سنوات على أرض اليمن في حقيقتها حربًا بالوكالة بين ايران والمملكة السعودية وليست حربً بين الشرعية والحوثيين ، هي حرب لمشروع إيراني وُكلاؤه الحوثيون في اليمن وبين المشروع السعودي الذي تمثله الشرعية المغدورة والمُستلّبه، علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية والفعلية كون المُسمى يدل على المعنى وليس بتمرير المسميات التي استحدثها المشروع السعودي والإيراني ، المقدمة الفعلية للقوى الوطنية الواقعة خارج إطار المشروعين السعودي والإيراني هي التفكير بعمق في الأزمة التاريخية التي يشهدها اليمن والذي تحوّل بفعل الصراع السعودي والإيراني وأدواتهما إلى مجرد ميدان رمايه لا أكثر ، وليس من قبيل السفسطة أو الديماغوجية المفُرطة أن نؤكد أن كِلا المشروعين وأدواتهما في الداخل اليمني هما في حالة توافق حقيقي على المدى البعيد الاستراتيجي وبخاصة في تلك الجزئية المتعلقة بالحيلولة دون قيام الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة ذات الصبغة الوطنية التي تضمن التعددية السياسية والثقافية بكافة آبعادها وموروثها الحضاري والإستفادة من التنوع الثقافي والاجتماعي الذي تشكل عبر مراحل التاريخ المُختلفة للوصول إلى دولة الحكم الرشيد ، الدولة التي يمكن لها أن تصنع نموذجًا ديمقراطيًا وتنمويًا وتفجر الطاقات وتوظف الإمكانات والمقدرات والموقع الجغرافي الاستراتيجي الفريد ، اولى نقاط التوافق بين المشروعين هي عدم استخراج الثروات اليمنية في العقود الزمنية الخمسة القادمة لكونها ستؤثر وتضرب اقتصادات المنطقة بفعل الفائض الضخم الذي سوف يتم ضخه في الأسواق العالمية الأمر الذي من شأنه تحويل تلك الاقتصادات إلى اقتصادات عاجزة وهذه النظرة التوافقية بين المشروعين قاصرة وغير صحيحة وفق الأحكام والمطلقات المسبقة قاصرة علميًا وقاصرة اقتصاديًا اذا ما عرفنا عدد السكان المتزايد في اليمن وحاجات اليمن للبناء والتنمية التي سوف تتجاوز المئة مليار دولار ، ايضًا هناك تواطئ وتوافق آخر بين المشروعين وهو توافق استراتيجي لمنع إقامة الدولة على شكل دولة المستقبل الإيرانيون يريدون دولة على غرار النموذج العراقي الفاشل والسعوديون لا يمكن لهم أن يقبلو بوجود نموذج ديمقراطي لدولة عصرية على حدودهم تنشط فيها الأحزاب وقوى الحداثة وبين هذا التوافق والتواطؤ الصامت بين المشروعين يستمر اليمنيين في قتل بعضهم البعض ، الحل يكمن في التيار الوطني الثالث تيار الكتلة التاريخية هذا التيار هو وحده القادر على مخاطبة العالم كونه يمثل الغالبية الغظمى من اليمنيين وعندما اقول الاغلبية العُظمى أعني على المستوى الوطني والشعبي جماهير سبتمبر واكتوبر والثاني والعشرين من مايو والعمال والفلاحين وقوى الحداثة والعصرنة والتيارات الحداثية الفكرية وجماعات الحقوق والحريات وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني ذات البعد الوطني وكافة القوى المؤمنة بالديمقراطية والدولة المدنية البرلمانية القوية ، مسألة بناء دولة في اليمن ليست بالأمر الصعب كما يروج المحبطون هي فقط تحتاج إلى إرادة وطنية تنتفض على الذات المهزومة وتخلق تيارها الوطني الواسع المنظّم الذي يشتغل في ظل الفراغ السياسي الراهن ويبدأ بالتفاوض مع اللاعب الرئيسي في المنطقة وأعني بها القوى العظُمى التي يهمها اولاً الجغرافيا قبل الديموغرافيا والنفط والمقدرات وهي هنا الولايات المتحدة وروسيا والصين ، تفاوض حقيقي يضع النقاط على الحروف ويرسم ملامح اليمن في المستقبل ، ماالذي تريده دولة مثل بريطانيا من اليمن ؟ وما الذي يريده الروس ؟ وما الذي يريده الأمريكان وما الذي يريده بعد ذلك السعوديون والإيرانيون والإمارتيون والأتراك والقطريين وحتى العُمانيين ؟؟؟ وأمامنا عدة نماذج في العالم منها النموذج الراوندي الذي قاده الرئيس الأفريقي "بول كيجامي" الذي اخرج راوندا من دولة الحروب والإبادة الجماعية وهي الدولة المغلقة بلا موانئ وبحار ومقدرات وثروات نفطية ومعادن إلى عملاق اقتصادي تحتل الاقتصاد رقم 22 عالميًا ، هنا على التيار الوطني أن يبدأ بتقديم الرؤية الوطنية التي تتطلب أن نتجاوز الأدوات في الداخل أو الأحجاراليمنية على رقعة الشطرنج حد وصف الكندي وليام جاي كار ، ان المراهنة على بقاء اليمن رهن لمصالحة تاريخية قد تحدث أو لا تحدث بين قوى الصراع ووكلاء الإقليم هو رِهان خاطئ وغير عقلاني ويجانب كل قواعد المنطق والصواب لأن هكذا مصالحة وإن حدثت ستكون بمثابة حل تلفيقي شكلي زائف وخادع لليمنيين وسينتج عنها ترحيل للأزمات لمراحل قادمة ، نعم علينا أن نتجاوز الحوثيين والشرعية من هنا نبدأ .
رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة IMC