عبد العزيز بدر القطان*
مؤسف جداً هذا النَفَس الذي نجده عند البعض من أبناء الأمة الإسلامية والعربية في قضية بث الأحقاد، لم ننتهِ بعد من المطبعين والمثبطين حتى وجدنا أعمدة الداخل الإسلامي مع شديد الأسف متصدعة، لكن الحقيقة الواحدة الأكيدة أن لا أحد يستطيع أن يزايد على فلسطين أو الشعب الفلسطيني، ففي هذا البلد العزيز رجال تعرف كيف تدافع عن أرضها، ولا تحتاج إلا لتوفيقٍ من الله تبارك وتعالى ودعاء المخلصين والشرفاء، فلسطين تنتصر لأن أبنائها أصحاب عزيمة وإرادة، يدافعون عن شرف الأمة كلها من المحيط إلى الخليج، النصر الفلسطيني لأهلها، والشكر لكل من وقف معها وساعدها.
لكن الفعل الحقيقي على الأرض ويراه العالم أجمع، من أطفال الحجارة إلى الانتفاضات التي لا يمكن لكائنٍ من كان أن ينساها إلى شهدائها وأسراها وأهلها في الداخل والخارج، فلسطين تقاوم من قبل أن نعرف قيام هذه الدولة أو تلك أو تولي رئيس ما وانقلاب آخر، أو انبثاق حزبٍ هنا وتيار هناك، سلماً أو حرباً وحتى ثورة، فلسطين أقدم حضارة قدمت الغالي والنفيس منذ زمنٍ بعيد، باختصار فلسطين ولّادة، النصر المسطور مقدم لأبنائها وحدهم دون غيرهم، وهذه حقيقة مسلّم بها، مع الشكر الجزيل لكل حلفاء القضية الأم، قال تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز: (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير).
لكن وبنفس الوقت، لفلسطين أبناء جهابذة وأذكياء ولديهم من العلم الكثير ولا ننكر فضل الخبراء من الدول الشقيقة والحليفة لكن لأبنائنا من المقاومين وأهلنا وأخوتنا حق علينا وكلمة الحق يجب أن تُقال ونفخر بها، فهل من أحد ينسى حادثة اغتيال الشهيد فادي البطش في ماليزيا، المنتمي إلى حركة حماس، والمتخصص في مجال الطاقة، وخبيراً في صناعة الصواريخ، وهل نسي أحد منا حادثة اغتيال القائد الطيار المهندس محمد الزواري من تونس، الذي التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية وانضم لكتائب القسام قبل 10 سنوات من العام 2016، وعمل في صفوفها وجاهد دفاعاً عن فلسطين، المهندس الزواري لمن لا يعلم هو أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية في حرب "العصف المأكول" سنة 2014، كذلك حادثة اغتيال نضال فرحات، المهندس الأول في صناعة "صواريخ القسام" في حركة حماس، واغتيال عدنان الغول (كبير المهندسين القساميين)، وغيرهم الكثير من الشهداء، هل ننسى كل هؤلاء الشهداء وفضلهم في الإسهام بتغيير معادلة الردع لصالح وطنهم ضد الكيان الصهيوني، وننسب الفضل للآخرين، هنا نشكر الآخرين على المساعدة، لكن الفضل من بعد الله تبارك وتعالى، لدماء الشهداء وزنود المقاومين الفلسطينيين، وهل ننسى الفصائل الفلسطينية التي دربت أحزاباً في السابق، لها وزنها وثقلها اليوم سواء كانت إسلامية أم يسارية أم قومية؟
فلسطين ومنذ بدء الخليقة، ومن قبل 1948، فيها شعب مناضل ومقاوم، وهنا أود الإشارة إلى نقطة مهمة شرحتها في مقالات كثيرة سابقة وأكررها للضرورة ومنعاً لأية مزايدات، من حق أي بلد إنشاء التحالفات التي ترى نفسها بها، سواء لصالحها أم لصالح البلد المتحالف معها، وهنا تخرج علينا لعبة المصالح السياسية والجيو – سياسية والجيو – استراتيجية وهذا ليس سراً ومعروف للجميع، الحرب السورية وبصرف النظر عن الموقف بين (مع أو ضد، مثال يُضرب ولا يٌقاس) على سبيل المثال، كم من دولة اختارت الوقوف ضد دمشق، لكنها اليوم في الحضن الدمشقي؟ وكم دولة وتيارات وأحزاب، ساعدت دمشق وقاعدتها الشعبية نسفت الشعب السوري بأكمله ومؤسسة سوريا العسكرية بأكملها ونسبت الفضل إلى هؤلاء (الحلفاء)؟ نعم لقد ساعدوها لكن لجيشها دور بارز وليس كل الدور للحلفاء، وهنا يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها، على سبيل المثال، العدوان الإسرائيلي المستمر على سوريا، من صد هذا العدوان الدفاع الجوي السوري وليس منظومة الدفاعات الجوية الروسية أو غيرها؟ ومن يقول عكس ذلك، يجعلنا نتسائل، لو كان ما يٌقال صحيح، كيف قضى كل هؤلاء الجنود السوريين على امتداد سنوات الحرب؟
وبالتالي، كل التحالفات مبنية على المصالح وليس حباً إلا بالمصالح، كفانا مزايدات أمام هذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس، الجميع له مشاريعه سواء سياسية أم عسكرية أم عقدية أو اقتصادية، وهنا لا أقوم بالهجوم على أحد بقدر ما أريد سرد الحقائق كما هي، فبلادنا على صفيح ساخن، وكل موقف قد يشعل نيران لم تخمد بعد، ليس على صعيد فلسطين فقط، بل على صعيد حالة الانقسام الديني والعقدي الواضح المعالم التي تعاني منها اليوم، فهل آتي وأسكب الزيت على النار وأشعل النيران، من يخمدها إن اشتعلت؟ وأنا شخصياً قلتها وأكررها، أنا مع كل أمتي ضد الكيان الصهيوني، مع حماس ومع الجهاد الإسلامي، مع فلسطين وكل الفصائل الفلسطينية المقاومة وكل المقاومين سواء في لبنان أو العراق أو أي مكان في هذا العالم، في حربهم على الطواغيت المتجبرين، والخلافات السياسية ضد بعض أنظمة الدول العربية والإقليمية أضعها جانباً أمام من يصوب بندقيته ضد الكيان الصهيوني، فقلبي وكياني معه في حربه هذه، من هذا المنطلق ينطبق علينا أننا كأمة عربية (الإخوة الأعداء)، نتصيد أخطاء بعضنا ونتهم بأن هذه الحركة إخوانية وتلك علمانية وأخرى طائفية، ونبتعد عن الهدف والمشكلة الحقيقية ونتجه نحو قشور الأمور، يجب أن نضع كل ذلك جانباً لأن فلسطين بحاجتنا هذه هي الحقيقة الوحيدة التي أؤمن بها.
وعلى كثرة خلافاتنا كعرب في كثير من القضايا السياسية وغيرها، لكن الجامع بيننا هي القضية الفلسطينية، لكن التشكيك بات سمة تطغى على الكثير من أبناء الأمة اليوم، إذ يخرج عليك أحدهم ويعرض صوراً قديمة على سبيل المثال للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد مع عددٍ من اليهود، ويظهر الأمر وكأن الصورة تجمعه مع الصهاينة متناسياً أن اليهود في إيران مكون من الشعب الإيراني كما الأرمن والمسيحيين والأكراد والبهائيين والزرداشت وغيرهم، كذلك يخرج أحدهم ويقول إن الرئيس المصري السابق محمد مرسي قد كتب في إحدى الرسائل إلى "شمعون بيريز" وقال "صديقي العزيز"، بصرف النظر عن فحوى الرسالة، لكن لإظهار الحق والحق فقط، هناك اتفاقيات قديمة فرضت على أنور السادات وحسني مبارك ومرسي والآن السيسي أن تجمعهم علاقات بالكيان الصهيوني بسبب اتفاقية كامب ديفيد، كذلك الأمر يتعلق بتركيا، العلاقات قديمة ومنذ عهد مصطفى كمال أتاتورك، وهذا بالعرف السياسي والدبلوماسي أمر طبيعي لكنه لا يعبر عن المواقف الشخصية للرؤساء، فهم محكومون بقوانين مجددة تلزمهم على احترام دستورهم وقوانينه، كما في الأردن الجميع يعلم موقف الهاشميين من القضية الفلسطينية ولكن هناك تطبيع شئنا أم أبينا، الذي يهمنا من كل ذلك هو الموقف الشعبي لتلك الدول التي تساعد فلسطين وتقف معها، فلسنا ضد أحد ساعد فلسطين لكن شرط أن لا نستفز مشاعر الأمة العربية والإسلامية ونقلل من عظمة المقاومة التي وبينما أكتب تسطر ملاحم من البطولة التي أثلجت قلوبنا.
وبالتالي وبكل فخر واعتزاز، إن موقفي من المقاومة في أي مكان في لبنان أو العراق أو سوريا أو أي دولة إسلامية في العالم، أنني مع كل مقاوم أياً كان توجهه الديني والعقدي والفكري والحزبي، وجه بندقيته باتجاه الكيان الصهيوني سواءً في فلسطين المحتلة أو في الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا، ثقوا بالله العلي القدير لو أستطيع لأكون أول المقاتلين ضد العدو الصهيوني في أي بقعة من الأراضي العربية المحتلة، سأكون بكل اعتزاز في خندق المقاومين، وتعاطفنا مع الحق لا مع الحركات والأحزاب وتوجهاتها، الآن البوصلة اتجاهها محدد، نحو تدمير العدو، لنكن أهل وأحبّاء لا إخوة أعداء، لنخلع ثوب الطائفية هذا من الجميع، ما أنهك أمتنا إلا هذا التمذهب والولاءات ونسيان الوطن.
فلسطين تجمعنا، ويجب ألا يعكر صفو هذه الانتصارات أي شيء، الآن وحدتنا هي الأساس لعيش هذه الفرحة العارمة، وقلت ما قلت لا يعني أننا لا نملك أخطاء، كل سياسات بلادنا العربية والإسلامية فيها بعض الأخطاء وعلى رأس هذه الأخطاء هو التبشير بالمذاهب الإسلامية، واستخدام العقيدة كسلاح للتدخل في بعض الدول العربية، ولدينا الكثير من الملاحظات على سياسيات هذه الدول وليدنا تحفظات تجاه هذه السياسيات سواء إيران أو السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية وعلى تركيا وعلى مصر، قال تبارك وتعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)، لنفرح لفرح فلسطين، فلسطين هي كل الخير.
*كاتب ومفكر – الكويت.