"خميس بن عبيد القطيطي: حراك دولي بعنوان سوريا - رأي اليوم"
تصدرت سوريا خلال الأيام المنصرمة عناوين الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي، وذلك في أكثر من عاصمة خليجية وعربية وبمشاركة روسية تركية، وقد صدرت من عواصم هذه الدول مواقف إيجابية صاغت تلك اللقاءات، أبرزها عودة سوريا إلى الحضن العربي والذي اتفق الحديث حوله باجتماعات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في كل من الرياض وأبوظبي، وتطرق الحديث إلى قانون قيصر وإعادة النظر فيه لما يمثِّله من معضلة كبرى أمام الشعب والدولة في سوريا. وقد تزامنت تلك التحركات الدبلوماسية الروسية في أبوظبي والرياض إلى جانب اجتماع ثلاثي شهدته الدوحة وضم وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، وكل تلك الاجتماعات تصب في اتجاه سوريا. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك حضور للولايات المتحدة في تلك الاجتماعات وهي التي تمتلك أكثر من خط تأثير في سوريا سياسيا واقتصاديا وعسكريا؟ ولماذا اختيار هذا التوقيت بالذات؟ وماذا تخفي هذه التحركات الدولية وراءها؟؟
بالطبع الولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذه التحركات الدبلوماسية الدولية، وإن لم تتواجد فيها، لأن التواجد الأميركي بالملف السوري واضح للعيان، وكل التحركات الدبلوماسية المتعلقة بسوريا معنية بها الولايات المتحدة من قريب أو من بعيد طالما كانت هي أحد أهم المؤثرين بالمشهد السوري. ولكن الأهم والأبرز في التحولات التي صاغت المشهد السياسي الراهن والتي جاءت جملة واحدة في هذا التوقيت هو التغيُّر الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن والذي يختلف في ملامحه عما سبقه، فهذه التغيرات بلا شك أنها تضع المصالح الأميركية العليا في مقدمة الأولويات، ولكن حسب الرؤية الديمقراطية التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن قبل أيام، والتي تعتمد على دعم حقوق الإنسان وحقوق الملكية الفكرية، وحرية التعبير كقِيَم عليا تنحو نحوها إدارة الرئيس بايدن الحالية، مع تجنب الحروب الاستباقية وتغيير الأنظمة التي لا تزيد الأوضاع إلا سوءا، خصوصا في ظل تزايد الإرهاب والفوضى التي تعقبها والتي يراها بلينكن ستطول شظاياها الجميع أو سيغرق فيها الجميع، وهي الرؤية التي يحاول البيت الأبيض تقديمها اليوم .
كيفية إسقاط هذه الرؤية على الملف السوري هنا بيت القصيد الذي لا نستطع الجزم بمدى جدية تلك الأطراف الفاعلة فيها، أو المنابر المتحدثة عنها، أو بالأحرى إلى أين تمضي تلك التحركات؟ ولكن وجود الحليف الروسي على خط هذه الجهود الدبلوماسية والتصريحات التي صدرت تقدم تطمينات ومواقف إيجابية في أكثر من خط من خطوط التأثير على المشهد السوري، منها اللجنة الدستورية أو عودة سوريا لجامعة الدول العربية أو البحث في إنهاء ما يسمى قانون قيصر عن سوريا، إضافة إلى استكمال عودة أبناء سوريا إلى الوطن، وكذلك أهمية الحوار السوري في ظل هذه المعطيات .
التغيير في الملف السوري بالتأكيد يرتبط بملفات إقليمية أخرى، منها إيران واليمن ولبنان ويصل إلى ليبيا وأفغانستان، ولكن لا يمكن لنا الإفراط في الثقة أو تقديم صورة وردية لما تسفر عنه الأيام القادمة؛ لأن الأولويات والمصالح العليا الدولية لم تتغير، إلا أن الرؤية السياسية والمعالجات على أرض الواقع قد تشهد بعض التغييرات الإيجابية من خلال الصورة العامة، ولكن مع الحفاظ على المصالح العليا، وهو ما تحاول الدبلوماسية الروسية اقتناصه في أكثر من ملف وأهمها الملف السوري .