recent
أخبار ساخنة

الجودة في الاسلام...

الصفحة الرئيسية



 الجودة في الاسلام 

(2)

الدكتور المهندس / محمد المعموري 

لم يكن هدفنا  ان نتكلم عن  مفاهيم الجودة ومعاييرها واسسها كما هو معهود في الدراسات او البحوث المقدمة بهذا الصدد ولكن كان همنا ان نربط الواقع العربي وتسليط الضوء عن مدى تطبيقه للأسس الحقيقة للجود وكذلك  ساعدنا في هذا الامر خبرتنا المتراكمة في هذا المجال وسعينا لا يجاد ما هو جيد وتقديمه للمجتمع العربي بصيغة   "اولا نعرف اخطائنا "  وكذلك فعلنا , فلا يمكن ان نطبق الاسس الصحيحة للجودة دون ان نسلط الضوء على تلك الاخطاء . 

والجدير بالذكر يجب ان نفخر بان الاسلام  اول من  طبق الجودة في منهاجه وحث المسلمين على التقييد بها وتنفيذها بأحكام ومفاهيم ارسى اسسها القران الكريم  , فنطم عمل المسلم من العبادات والعمل   ("وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ".(التوبة 105 ) ولننظر في اسس وفاهيم  العمل التي ارساها الله سبحانه وتعالى , حدد بالقائم بالعمل ومن ثم الرقيب وبعدها الثواب .  وكذلك الصلاة حدد جودتها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)النساء .و كذلك حدد الوضوء كجانب من جوانب جودة الصلاة  قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6 ) المائدة ) وهذه مفاهيم الجودة في صلاة المسلم حددها الله سبحانه وتعالى بأية واحدة لتكون مقياس جودة صلاة المسلم , وحدد الصيام  في اربعة آيات كريمات  في سورة البقرة اجمل فيهن كل اسس ومفاهيم الصوم  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ على مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)البقرة )

وفي لزكاة ( التكافل الاجتماعي ) حث القران على التكافل الاجتماعي فرسم  فيها مفاهيم الجودة (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴿٤٣ البقرة﴾ (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴿٨٣ البقرة ) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ﴿١١٠ البقرة﴾ ) . بهذه الآيات الكريمات تحددت جودة عبادة المسلم وعمله وعلم المسلم ان للعمل الذي يؤديه مراقب فأتقن عمله واحسن عبادته , ولان الاسلام دين عمل واجتهاد ليس فقط بمجال عبادة الله سبحانه وتعالى وانما في محيط حياتنا بكاملها .

اي اتقان واي تسلسل في مفاهيم الجودة التي ارساها الله سبحانه وتعالى منذ كثر من 1400 سنه . بينما تعرف الغرب وامريكا واليابان على مفاهيم الجودة  عند بداية الثورة الصناعية من  ( 1750 م الى 1850 م ) حيث بدات التغيرات في شتى المجالات الاقتصادية ( الصناعية والزراعية ... ) تتغير وتتجه نحو التنظيم فكانت الحاجة ملحة لتنظيم العمل بعد ان دخلت المعدات والمكائن في الصناعة والزراعة والتعدين ,  وكانت رائدة الثورة الصناعية هي بريطانيا ومن ثم اتسعت لتشمل واوربا  الغربية وامريكا الشمالية واليابان , من هنا بدأت تلك الدول تهتم بالجودة وتعمق مفاهيمها , الى ان وصلت الى ما وصلت اليه الان . 

لم نتعب انفسنا في تتبع تعاليم الاسلام ولم ننتبه الى ما جاءت به رسالة الاسلام فالمسلم بعقيدته يمتلك كل مفاهيم ومعايير الجودة والتي يتنادى بجزء منها الغرب من خلال باحثيهم ومفكرهم منذ قرابة قرنين دون اكتمال لجوانبها , ولكنهم اخذوا تلك المفاهيم لجعلها تنغمس في حياتهم العملية وطبقوا اؤسسها في مجال عملهم وان كانت لا ترتقي بسبل الكمال .

وحث رسول الله  محمد صلى الله عليه وسلم على اكتمال العمل واتقانه فقا "رحم الله امرء عمل عملاً فأتقنه" اليست هذه الجودة وهي اتقان العمل وتقديمه بأكمل صوره وعن مما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم  ( مر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ). مفهوم واضح للجودة في مبادئ وعمل الاسلام .
ولو اردنا ان نجمل اهداف الجودة لوجدناها في هذا الحديث الشريف حيث يبين لنا اسس ومفاهيم الجودة في الاسلام وهو الشرح المفصل رسول الله صلى الله عليه وسلم  الى جبريل سلام الله عليه بأسئلة دقيقة متتالية ترسي اسس الجودة في مفاهيم الاسلام  :  (  كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناس فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث قال ما الإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال متى الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عنده علم الساعة الآية ثم أدبر فقال :ردوه فلم يروا شيئا فقال: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم(  . 

كل احكام الاسلام وشرائعه التي جاء بها الاسلام مبنية على نظام متكامل يتكون من 

  • العامل  ( المسلم )

  • المراقب ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) [ الانفطار : 10 - 12 ] .

  • الرقيب  الله سبحانه وتعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ  ) البقرة 

  • ومن المبلغ بأحكام الله فهو محمد صلى الله عليه وسلم (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ  ) البقرة .

هل توجد عناصر متكاملة لا رساء اسس ومفاهيم ومعايير الجودة كما جاءت بالإسلام . وهل تكاملت تلك الاسس والمفاهيم عند مجتمعنا فلم نجد فيها ما يجعلنا نطور عملنا ونرتقي به الى اعلى حالات التطور فذهبنا نقرا في مفاهيم وضعت ولم تكتمل لحد يومنا هذا .

ان انبهارنا بالغرب بصناعتها ولاقتصادها الذي تطور وسبل العيش جعلنا ننبهر بها  ونسينا ان نطبق ما أمرنا به فنجد ضالتنا ونعمر بلداننا ونركز مفاهيم الجودة في ديننا ليكون اساس وقمة عملنا . ولنتمعن في سورة يوسف فنجد الحلول الاقتصادية وكيفية معالجة الركود الاقتصادي قال الله تعالى (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47يوسف )  , وكذلك لو نظرنا الى سورة الكهف فنجد ماقام به ذي القرنين  من تدبيرات اقتصادية وصناعية درأت عن الناس خطر قوم بتدبر وتدبير , فجعل الناس يعملون ويبحثون لا ان يتمنون وهم جالسون  (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حتى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96 الكهف ) .

وهكذا فأننا لو تتبعنا الآيات الكريمات في القران الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجنا ضالتنا ولبنيا مجتمعنا بكل جوانبه الاخلاقية  والتي لخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انما بعثت لا تتم مكارم الاخلاق ) وكذلك الاقتصادية والسياسية وحقوق الانسان قوله تعالى  (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107 الانبياء ) , وكذلك هو منهاج الجودة الحقيقية المتكاملة لبناء المجتمع وتطوره . 




google-playkhamsatmostaqltradent