في بداية يوم الجمعة في الرابع عشر من رمضان، في الساعة الثانية فجرا غادرت المنزل لتذهب الى الطبيب .... وكان يرافقك أقرب الناس اليك من دم الوريد اصطحبوك لكي يروا ما الخطب الذي يتملكك وما الألم الذي تعاني منه وما سبب ذبولك..
لقد حانت ساعة الوداع، جاء الوقت الذي لا ينتظر أحدا، جاءت ساعة الفراق .. بدأت عليك سكرات الموت بدأت تعابير وجهك البشوش بالتلاشي لقد بدأت عيناك تغوران و ألم يقطعك كالسيف وجسدك بدأ بالارتعاش ... حانت ساعة الوداع الأكيد .. في تمام الساعة الثالثة والعشرون دقيقة صباحا نمت في سبات عميق ، لقد تركت الحياة وذهبت إلى حياة البرزخ الى حياة الخلود ..... ذهبت الى من انشئك وصورك إلى خالقك عز وجل ..
تسامع القريب، والبعيد، تألم العزيز، والرفيق، والغريب ...لقد رحل درعهم لقد رحل سندهم وأقرب الناس اليهم..
لقد رحل من كان قدوتي، ومسندي، وأماني، ومأمني .. رحل درعي الثابت، رحل أبي، رحل من كان بعيني النور الدائم، والرفيق الوفي، إنه أبي، إنه العافية التي تجوب جسدي، والسعادة المرتسمة على ثغري، والأمان الذي يحتويني ... لقد انكسر ضلعي الثابت زار الألم أعماقي، واستوطن قلبي، انهمرت عيناي، وباتت حمراء اللون ، لقد شدت أعصابي، لا استطيع الحراك لا أشعر بالدم يمشي في أوردتي ... لماذا الحزن أصبح رفيقي، وشريك دربي، وألم لقلبي ( حزن الفؤاد وضاق الصدر) .
حان وقت الوداع الأخير ..آخر مره سأذكر بها أبي، آخر مرة أرى بها هيئته، وشكله إنها المرة الأخيرة التي أرى بها ملامحه، وأمسك يده، وأُقّبل جبينه..
لقد رأئيته مبتسما أمامي، ولكنه جثه هامدة لا تتحرك، أو تتلكم.
الساعة الخامسة صباحا زار منزله للمرة الأخيرة، المرة التي سيخرج بعدها ولن يعود .. دقت الساعة السادسة والنصف موعد المغادرة ( كأنه على متن طائرة تنادي عليه المضيفة حان وقت المغادرة النداء الأخير )
لقد ارتدى اللباس الأبيض وكفن به أيضا . لقد أُحضر بشي يشبه السرير ( الطارقة) ... أخذوه،، حمله ستة أشخاص، بدأ النداء ب ( لا لله الا الله ) .. كنت أقف على حافه باب الوداع وبداخلي سكين تقطع كل ما تجده.
لقد رحل ورحل معه مجموعة من المودعين، والمرافقين ليرافقوه الى منزله الجديد، إلى منزل الخلود ... لا أعلم بحاله، ولكن أعلم بأنه انتقل إلى المكان الأحسن، المكان الأنسب بجوار خالقه، لا يسعني فعل شيء سوى الدعاء له، والصدقة التي ستسعده، يا رحمن أنت اعلم بحاله فأحشره في زمرة المتقين والصالحين بجوار نبيك الحبيب .
تعجل.. يا من لك أُب يعيش معك.. بالقرب منك.. لا تطل بينه المسافات.. وتعكر عليه أيامه.. لاتسيء إليه.. أحسن ثم أحسن ثم أحسن... فإن للمحسنين سرورا.