اللؤلؤ فالخليج وتاريخه
أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامنٌ * فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟
هذا بيت من الأبيات التي جاء بها شاعرنا الراحل حافظ إبراهيم قبل ما يقرب من قرن من الزمان، واليوم لم تبق سوى قلة من مجر البحر هؤلاء: إنهم غواصو اللؤلؤ الذين قضوا حياتهم على مر الأجيال في أعماق البحر سعياً وراء أهم وأرقى كنوزه. لقد كانوا وما زالوا يغطسون أربعين وخمسين بل وحتى مئة مرة في اليوم الواحد إلى قاع البحر إلى أعماق قد تصل إلى أكثر من عشرين متراً من دون أي نظارات غطس ولا يرتدون في الغالب سوى سترة بيضاء تسمى «الشمشول» تحميهم من لسعات قنديل البحر.
كان اللؤلؤ بمنزلة الماس في العالم القديم كان يشكل أثمن مصدر للثروة في الخليج العربي وكان هناك حوالى 70 ألف رجل يشتغلون بجمعه. ولكن الغواصين لم يعرفوا إلا قليلاً عن الثروة التي كانوا ينتشلونها من جوف البحر، فقد كان المحار يُرمى في أكوام مشتركة ولا تُفتح صدفاته إلا في اليوم التالي لاصطياده بعد نفوقه، وحتى لو استخرج أحدهم لؤلؤة نادرة ونفيسة للغاية، ولم يكن له ليعرف قيمتها مطلقاً وقد كانوا يغوصون لأداء ديونهم وهي غالباً ديون ورثوها أباً عن جد
ثم جاء عصر البترول «النفط» فانحنت أمامه حياة البحر، ووضعت أوزارها مستسلمة أمام سلطات الذهب الأسود
وطريقة الغواصين العرب في صيد اللؤلؤ بسيطة، لم تتغير منذ قرون. إذ ينزل الغواص على حبل يسمى اليدا أو الزبيل عليه ثقل يقال له البلد موصول برجل على السفينة يدعى السيب، ويحمل الغواص العدّة وهي قفّازان من الجلد أو الخيط هما الخبط ومشبك أنف من العظم أو الخشب يسمى الفطام.
وقبل أن يغطس يأخذ الغواص نفساً عميقاً لدقيقة أو دقيقتين، وفي القاع يضع المحارات التي وجدها في الديين (كيس متوسط الحجم شبيه بشباك الصيد) المربوط إلى حبل، وحينما تفرغ رئتاه من الهواء يهزّ الحبل الذي يرفعه السيب سريعاً إلى السطح، وعادة ما يكون الغوص على عمق يتراوح بين 14.8 متر وهناك بعض الغطاسين ينزلون إلى عمق30 متراً.
وتعتمد قدرات الغواص على بنية جسده، وكان في السابق يباع العبيد القادرون على الغطس عمقاً بثمن باهظ. وكان عدو الغواص الأول هو قنديل البحر ذو اللسعة الحادة. ولمجابهة ذلك الأمر فإن الغواصين يضعون سترات قطنية تسمى «الشمشول» تقيهم أذى قرّاص البحر. وأيضاً لدى الغواصين مشكلات أخرى، فعادة ما يعانون ألماً حاداً في آذانهم، وإذا لم يُشف الوجع من تلقاء نفسه فإن المريض يلجأ إلى الكي
من بين الأمور المذهلة حول سكان صحراء الخليج وإمارات ساحل الإمارات المتصالح اكتشاف مدى مهارتهم في حرفة الغوص. إنهم يغطسون في الأعماق بحثاً عن محار اللؤلؤ، وقد يملك بعضهم ما يسمى «النواخذة»، وهي مراكب تستخدم لهذا الغرض، وعلى رغم التراجع الكبير في تجارة اللؤلؤ خلال السنوات الأخيرة، فما زال العديد من الرجال يرتحلون إلى أبوظبى أو جزيرة «دلما» حيث يقضون موسم جني اللؤلؤ على متن مراكبهم. كلّ صيف تُبعث الحياة في دبي وباقي موانئ الساحل عندما يبدأ الغواصون في الاستعداد لموسم اللؤلؤ، وقد استُخرجت من الخليج العربي بعض أجمل اللآلئ في العالم وفي أماكن عدة على امتداد الساحل. اختفت هذه الحرفة الضاربة في القدم بسبب الرخاء الذي جاء مع اكتشاف النفط في مناطق أخرى.
ولقد اعتمد ازدهار البحرين حتى منتصف القرن العشرين على صيد وتجارة اللؤلؤ، وكانت هي المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، حيث لم تكن هناك ضريبة على اللؤلؤ ذاته وإنما الدخل الوحيد الذي كانت تحصل عليه الحكومة من هذه التجارة هو مبالغ صغيرة تتقاضاها نظير تسجيل سفن الغوص.
لقد كانت صناعة اللؤلؤ صناعة مزدهرة توفر في مطلع القرن العشرين العمل لحوالى عشرين ألف رجل بحريني خلال موسم الصيد، إلا أنه بمجرد ظهور اللؤلؤ المستزرع إلى الوجود تعرضت تجارة اللؤلؤ الطبيعي لهزة عنيفة لم تستطع أن تتجاوزها وتستعيد حالتها السابقة مع أن لآلئ الخليج العربي هى أبدع اللآلئ في العالم.
لم تكن هناك سوق خاصة باللؤلؤ، بل كانت هذه التجارة تمارس في مكاتب التجار أو في بيوتهم، وأحياناً في الطرق وفي المقاهي! ولا توجد حتى الآن بورصة للؤلؤ، فسعره يعتمد على الاتفاق بين البائع والشاري. ولقد قامت هذه التجارة على الثقة التامة بين الناس، فقد يبلغ سعر اللؤلؤة الواحدة آلاف الدنانير، لكن تاجر اللؤلؤ لا يجد أي تخوّف أو تردّد في تسليم حفنة منها لرجل بعد آخر لكي يبقيها عنده لأسابيع عديدة بدون وصل استلام
مع حلول عام 1932م أصبحت تجارة اللؤلؤ غير مستقرة، وأخذت تعاني من منافسة اللؤلؤ المستزرع، ونظراً لكونها تجارة باهظة الثمن، فقد تأثرت كثيراً بالكساد الاقتصادي في أوروبا حينذاك. ووجد كثير من أصحاب السفن وربابنتها (النواخذة) وتجار اللؤلؤ (الطواويش) صعوبة شديدة في توفير الأموال اللازمة لتجهيز أسطول الغوص، فقد كان تجهيز الأسطول يستلزم دفع مبالغ نقدية مقدماً (تحت الحساب) للغواصين، ولم يستطع الطواويش والنواخذة توفير ذلك.
مع حلول عام 1932م أصبحت تجارة اللؤلؤ غير مستقرة، وأخذت تعاني من منافسة اللؤلؤ المستزرع، ونظراً لكونها تجارة باهظة الثمن، فقد تأثرت كثيراً بالكساد الاقتصادي في أوروبا حينذاك. ووجد كثير من أصحاب السفن وربابنتها (النواخذة) وتجار اللؤلؤ (الطواويش) صعوبة شديدة في توفير الأموال اللازمة لتجهيز أسطول الغوص، فقد كان تجهيز الأسطول يستلزم دفع مبالغ نقدية مقدماً (تحت الحساب) للغواصين، ولم يستطع الطواويش والنواخذة توفير ذلك
سارة الامير صديق مدكور