رغد صدام حسين .. التاريخ يُكتب لكن لا يعود
عبد العزيز بدر القطان
استضافت قناة العربية، السيدة رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حيث كشفت في هذا اللقاء رغبتها في لعب دور سياسي قادم في مستقبل العراق الجديد، إضافة إلى مناقشة الوضع العراقي الراهن.
رؤية موضوعية
كنت من الأشخاص الحريصين جداً على متابعة اللقاء الخاص بالسيدة رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومن يريد بناء تحليلاً جيداً، عليه قراءة التاريخ المعاصر قراءة جيدة ومعاصرة، من خلال قراءة جميع الآراء، المؤيدة والمعارضة، وأن يتسم بالموضوعية لا أن يحلله من وجهة نظر واحدة والأهم الابتعاد عن العاطفة، وبالتالي، هناك من انتظر هذه المقابلة وهناك من لم يهتم، وهناك من أطلق سيل من الشتائم، وهناك من حنّ إلى زمنٍ جميل، ما يعني أن هذا الأمر جزء من تفسير حالة انقسام المجتمع الواحد ليس عراقياً فقط، بل حال الأمة العربية وغذائها هو الانقسام، يرون في التاريخ، موقعاً لتصفية الحسابات.
الآن وبموضوعية نسبة المشاهدة كانت مرتفعة جداً، لـ "البرومو" فقط، ومن يعرف السيدة رغد صدام حسين منذ اعتقال والدها، وخلال لقاءاتها التلفزيونية، يلاحظ أنها امتازت إلى أن تكون شخصية دبلوماسية أكثر منها سياسية، مع التأكيد على أن وجهة نظري كباحث أتطرق إلى طرحها بموضوعية، بعيداً عن العواطف، وقدر هذه السيدة أنها كانت ابنة رئيس دولة بحجم العراق، وكل كلامها عن والدها، نقل مشاعر من ابنة حول أبيها، وعلاقة الأبوة، بعيداً عن أي دور سياسي أو ريادي أو قيادي، ومن الطبيعي لأي إنسان في مكانها أن يكون المناصر والمدافع الأول عن والده، حتى أخويها (عدي وقصي صدام حسين بحسب الرواية الرسمية المشهورة آنذاك، أنهما كانا من المشاركين باغتيال زوج أختهم رغد، حسين كامل وأخوه صدام كامل)، لم تأتِ على ذكر أي أمر سيء، بل حمّلت شيء من مسؤولية تدهور الحالة العراقية إلى أبناء عمومتها إلى حدٍّ ما، وتحديداً ابن عم والدها "علي حسن مجيد وزير الخارجية ونائب رئيس مجلس الوزراء في عهد الرئيس صدام حسين ".
ترويج لا مضمون
تتسم شخصية السيدة رغد صدام حسين بالقوة، وكما هي قالت في المقابلة أنها تحمل "جينات والدها"، ولديها رباطة جأش عالية، وذكاء وفطنة، ولم تكن مصطنعة في شخصيتها، لأنها كانت تتكلم بعفوية واتسمت مقابلتها بالهدوء والابتعاد عن الانفعال، وكانت تنتقي كلماتها بدبلوماسية عالية وذلك لأسباب مهمة، منها عدم إحراج الدولة المستضيفة لها، أي المملكة الأردنية، فهي ممتنة لكرم الأردن ولا تريد أن تسبب أي إحراج للملك عبدالله الثاني أو الحكومة الأردنية، أيضاً راعت في هذه المقابلة أنها ظهرت إلى الساحة عبر قناة مملوكة للمملكة العربية السعودية، بمعنى أنها لا تريد أن تسيء إلى أي دولة من دول الجوار، باستثناء إيران التي وصفت حضورها في المشهد العراقي على أنه "استباحة" على حد تعبيرها.
من شاهد اللقاء، لن يُخفى عليه، أنها مدروسة بعناية من جانبها، أرادت إيصال رسائل معينة للداخل العراقي، وقالت أن شخصية والدها اتسمت بشيء من القسوة وأحياناً قسوة مفرطة، لكن من الأخطاء الكبيرة في المقابلة، من المذيع إلى الإعداد إلى نوعية الأسئلة، هناك ضعف إلى حدٍّ ما، لا يليق بالمراحل التي سيتم الحديث عنها، فكان القفز سمة أساسية من فقرة إلى أخرى، من حياتها في الداخل العراقي، ثم في الخارج ثم عن مشاعرها حيال والدها، الحوار أصلاً لم يكن متسلسلاً، بل أنّ المحاور كان يقفز بالمواضيع من منطقة إلى أخرى، هذا النوع من الطرح كان أقل من مستوى الضيف، والتاريخ الذي سيتم تداوله في هذا اللقاء، فكل مرحلة من المراحل تحتاج إلى تحضير كبير، لأن هذه الشخصية جزء من تاريخ العراق، من الناحية السياسية خاصة وأن والدها محط جدل في الداخل العراقي وعلى صعيد الخارج والمحطات التي حدثت، فهناك من يكره الرئيس العراقي صدام حسين وهناك من يحبه، وهناك من يراه ديكتاتور وخائن العرب وآخرين يرونه بطلاً قومياً، وسيف العرب، ما يعني أن لا إجماع تاريخي حول هذه الشخصية حتى ما بين العراقيين أنفسهم وبالتالي اللقاء لم يكن موفقاً على عكس الإعلان عنه مقارنةً بلقاءاتها الأقدم.
لكن في علم لغة الجسد، عرفت السيدة رغد صدام حسين كيف تتعامل مع هذا الأمر سواء بجلستها أو طريقة لباسها، ووضعها لـ "البروش" المتعلق بالعراق، فهي تعلم جيداً كيف لها أن تتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي في خطاباتها رغم أنها ليست سياسية، لكنها كانت ذكية جداً في مناوراتها الدبلوماسية.
لماذا الآن؟
إن المقابلة الآن والترويج السابق لها أتى في وقت حساس بالنسبة للداخل العراقي، حيث أن العراق يمر بأسوأ ازمة اقتصادية شهدتها البلاد إضافة إلى أزمة الفساد الضخمة، وتوقيت انتخابات، والأسوأ انه يمر بمؤامرة دولية في قضية تقسيم العراق، فالشعب العراقي أمام منعطف تاريخي خطير، فحقبة الرئيس صدام أفضل من ظروف الآن حتى وإن كانت نظرة قسم كبير من العراق تجاهه بأنه ديكتاتوري.
وبالتالي، إن المراد من هذه المقابلة، للولايات المتحدة دور فيها بعيداً عن الضيف والذي هو السيدة رغد صدام حسين التي يريدون من خلالها إثارة الداخل العراقي أكثر مما هو عليه، خاصة عندما تم سؤالها إذا ما كانت تخشى من التقسيم وكان جوابها أنها تخشى ذلك، وهو أمر أشرت إليه مع بداية تنصيب الرئيس الأمريكي جو بايدن صاحب فكرة فدرلة العراق عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، لتكون المقابلة عبارة عن ورطة للسيدة لأنها أساساً ليست سياسية ولا تتمتع بالخبرة السياسية حتى وإن كانت ابنة رئيس العراق الراحل، فكان المفترض أن تتكلم في ملفات محددة تقتصر على فترة حياة والدها، كما كانت تفعل السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس المصري الراحل أنور السادات التي كانت تتكلم عن زوجها الراحل بعيداً عن تفاصيل الدولة.
اما مسألة أن ترسل الحكومة العراقية كتابي احتجاج للحكومتين الأردنية والسعودية، فهذا أمر غير مبرر، لأن الدستور العراقي والجمهورية من المفترض أنها ديمقراطية لا يجب ان تتدخل في مثل هكذا أمور، فمن حقها كمواطنة عراقية أن تخرج إلى الإعلام وتتحدث بما تريدـ حتى نيتها للترشح رغم أني لا أرى أنه مفيد أو سيخدم أو يقدم لها شيء، لأن ذلك وإن حدث سيكون استغلال لاسم والدها للزج بها في هذا العالم التي ذكرت أنها بعيدة كل البعد عنه.
أخيراً، الرئيس صدام حسين كان قدر العراقيين لمدة 33 سنة، وانتهى هذا القدر، وانتهى هذا النظام، فذاك التاريخ انقضى، واليوم العراق، عراق آخر، أسوأ أو أفضل، ليس هذا الأمر، بل إن تلك الحقبة صفحة وطويت من تاريخ العراق، لكنها محفوظة في ذاكرتهم بحلوها ومرها، فالحديث عن صدام حسين لن يعيده رئيساً للعراق اليوم، فمن حق الابنة على أبيها أن تعبر عن مشاعرها، وهذا ما كان يجب على رغد صدام حسين أن تفعله.
*كاتب وباحث – الكويت.