بقلم المستشار / عبد العزيز بدر القطان
إن المقصود بـ أوروبا والغرب ليس الوضع الجغرافي لهم وإنما مجموعة الأمم ترجع إلى نظام من القيم المبنية على الديمقراطية التعددية وعلى مفهوم سياسي وفردي من الحرية.
ما الذي يوجد هنالك من أمور مشتركة خارج الفوارق القائمة التي غالباً ما تبدو عميقة جداً بين دول أوروبا مثل فرنسا وبين الولايات المتحدة، وبين سويسرا وإسبانيا وبين البرتغال والدنمارك وغيرهم، حيث يختلط تراث المسيحية وذكرى الثورة الصناعية بتراث الثورات التحررية مثل ثورة انكلترا، واستقلال الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية.
إن الرجوع إلى ماضي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في مادة الحريات يشير إلى أن هذه الحريات مرت بمظاهر رئيسية ثلاثة: تكوين الديمقراطية الليبرالية، والمحاولات الفاشية، ثم التوصل إلى نظام ملموس أكثر ومكتمل أكثر لحقوق الإنسان، فبالنسبة لتكوين الديمقراطية الليبرالية الغربية، أخذت أوروبا تتخلص شيئاً فشيئاً من سلطة الملوك.
كذلك الأمر عن تكوين الولايات المتحدة كأمة مستقلة عن التاج الانكليزي وبنت ديمقراطيتها الليبرالية مع نهاية القرن الثامن عشر، وهذه الحركة سبقت قليلاً الثورة الفرنسية رمز الحرية ومقوضة الطغيان، لكن لم تصبح أكثرية البلدان الغربية ديمقراطية إلا بعد الثورة الصناعية، هذا التحرر توافق مع تحقيق الوحدة انطلاقاً من اندماج مقاطعات أو أقاليم كما جرى في ألمانيا وإيطاليا، أو مع انتزاع استقلالها بالنسبة لمستعمرات انكلترا القديمة (كندا واستراليا وايرلندا)، لكن غالباً ما كان يحدث أيضاً انحراف أحداث تاريخية هامة بين ولادة أمة حديثة ووصولها إلى الديمقراطية.
الشي الجوهري في كل هذا أن أوروبا والولايات المتحدة قد بنت ديمقراطية ليبرالية ونظاماً فعّالاً للحريات العامة في القرنين التاسع عشر والعشرين، أما بالنسبة لمحاولات الفاشية كانت أنظمتها تشكل انحرافاً خطيراً عن الديمقراطية وتكنّ كراهية عنيفة للحرية وتفسر حقوق الإنسان من منطق مخالف، لكن حتى الديمقراطيات التي قاومت الاغراءات الفاشية تأثرت بالحركات القريبة أيديولوجياً من الأنظمة الشمولية.
ويلاحظ بعض الباحثين أن المذاهب بمختلف أشكالها التي أفسدت مسيرة الديمقراطية الغربية، كان ينبغي أن تكون ذكرى حالات الرعب والإرهاب التي مارستها في الحضارة الغربية، كافية لطرد الشياطين ومنع عودتها، لكن استمرار وجود حركات سياسية ذات خاصية وطنية واستبدادية في كثير من بلدان أوروبا مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا حتى ولو كان حضورها على الساحة محدوداً، فإنها تنشئ خطراً كامناً للهجوم على ديمقراطية الغرب.
أخيراً، إن ما توصل إليه النظام الغربي حالياً من حقوق ملموسة للإنسان، أتت بعد أن أحدثت الحرب العالمية الثانية صدمة كبرى للقرن العشرين، فغداة انتهاء هذا النزاع الكبير، أخذت البلدان الغربية تبحث عن إحياء الديمقراطية وتدعيمها، وذلك عن طريق وضع أنظمة للحريات أكثر كمالاً وأكثر محسوسية.
– الكويت.