بقلم✍️علي بن سالم كفيتان
يُخزِّن ملك الصحراء (الجمل) الدهون في سنامه ويستطيع الاحتفاظ بالماء لفترات طويلة، كما اكتشف مؤخراً أنه يستطيع تحويل الدهون إلى ماء وقت الحاجة، ولسنا معنيين هنا بدارسات الاحتفاظ بالدهون أو ذوبانها؛ بقدر ما هي الإشارة إلى زيادة صياح ونياح القطاع الخاص بعد رفع وزارة العمل قيمة مأذونيات استقدام العمالة الوافدة، وخاصة من هم في القيادات العُليا في شركات القطاع الخاص، فاعتبرت ذلك بداية ذوبان سنام الفساد في القطاع الخاص وقياس مدى جديته في التناغم مع فلسفة العمل الجديدة في السلطنة.
فليس مقبولاً أن تكون هناك شركات عملاقة حصلت على مشاريع حكومية بمئات الملايين من الريالات طوال 50 عاماً ولم تستطع تأهيل عُماني ليكون رئيساً تنفيذياً أو مديراً عاماً أو مديراً للموارد البشرية. إنَّ الكم الهائل من ردات الفعل للأسف عبَّرت عن أنانية هذا القطاع وجنوحه ومُعاداته للإنسان العُماني ومُحاباته للوافد، ومن هنا فإنَّ أي مواطن يرغب في تحسين الصورة النمطية لهذا القطاع لابُد أن يُؤيد توجهات وزارة العمل الجديدة.
حسب الأرقام المُعلنة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2020 فإنَّ 13% من شركات القطاع الخاص فقط هي التي تساهم فعلياً في توظيف العُمانيين. والسؤال الذي يفرض نفسه. أين 87% من شركات القطاع الخاص؟ ولماذا لم تُبادر لجعل توظيف العُمانيين أولوية؟
مثل هذه التساؤلات يجب أن تطرح بكل شفافية ويتم الإجابة عليها بكل مصداقية فإما أن تكون تلك الشركات حقيقية وتتحمل مسؤوليتها الوطنية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد أو تكون مؤسسات وهمية ويجب إغلاقها في إطار تصحيح المسارات في العهد الجديد بقيادة مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه-.
صاح المواطن عندما بدأت السياسات التقشفية تنال من كل ما حوله ابتداءً من التقاعد وانتهاء بالضرائب ورفع الدعم، ولم يستمع أحد لكل تلك الجلبة التي دارت على ألسنة الناس وأقلام الكتاب ومنصات المُغردين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، والإجابة المعلبة كانت تقول إن جميع دول العالم تمر بهذه الأزمة؛ بما فيها دول الخليج العربي الغنية، وجميعها رفعت الدعم وفرضت الضرائب، وبالتالي نحن لسنا استثناءً في هذا المحيط الإقليمي والدولي، لكن ما لم يلتفت إليه أصحاب هذه النظرة السطحية، أن تلك الدول وخاصة الخليجية رفعت الرواتب إلى الضعف تقريباً منذ عدة أعوام، قبل فرض الضرائب ورفع الدعم، وبالتالي لم يكن هناك تأثير كبير على الإنسان العادي، بينما الأمر كان مختلفاً هنا، فقد تمت إحالة الآلاف للتقاعد الإجباري وفُرضت الضرائب ورُفع الدعم عن المتبقين على رؤوس أعمالهم.. فهل تريد الدولة أن تصبح بلا موظفين؟ وأن تتجرد من مسؤوليتها لرعاية المجتمع؟ وإذا كان الأمر كذلك فأين تُصرف مدخولات النفط والغاز وبقية الثروات؟ وإذا كانت الإجابة أننا نسدد الديون نقول: ديون من تسددون؟! وكلها أسئلة مشروعة ومطروحة اليوم بقوة في الشارع العُماني.
إنَّ الترهيب الذي يُمارسه القطاع الخاص عبر التلويح بهجرة رأس المال وغياب الاستثمار الخارجي بعد قيام وزارة العمل برفع قيمة مأذونيات العمل عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي وخروج بعض المنظرين الاقتصاديين الذين يرون أن توظيف العُماني في وطنه ترف، ورفع راتبه وتحسين وضعه الاجتماعي خطأ تاريخي اقترفته الحكومة، كل ذلك يمنحنا اليقين بأنَّ أكبر المستفيدين من مندوس الحكومة طوال 50 عاماً هم هذه الفئة، واليوم يتلكأون في توظيف العُمانيين بالوظائف الإدارية العليا والوظائف الفنية. ومن هنا يجب على الحكومة أن تكيل بنفس المكيال الذي كالت به على المواطن على القطاع الخاص وألا يتم الرضوخ لهذه الصيحات الوهمية بتدهور الاقتصاد الوطني وهجرة رأس المال؛ فرأس المال الذي يتحكم به عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة وله هجرة الشتاء والصيف إلى سويسرا، لسنا بحاجة له في عُمان، نحن بحاجة لرجال أعمال مخلصين محبين لوطنهم إن ربح الوطن ربحوا، وإن غرمَ كانوا أول المساندين والداعمين.
هناك اليوم آلاف المهندسين والفنيين الوافدين بمُختلف تخصصاتهم في هذه الشركات وفي المقابل يتكدس أبناؤنا في بيوتهم متوسدين شهاداتهم، وقس على ذلك بقية التخصصات والمهن، فلو صدقت النية وتنازل هؤلاء قليلاً، لما كانت هناك مشكلة باحثين عن عمل السلطنة.