هل كانت أحداث اقتحام الكونجرس يوم الاربعاء 6 يناير 2021 مفاجأة ؟ من حيث السمعة الدولية والموروثة بل والتى فرضت على العالم كله تجاه الديمقراطية الأمريكية كانت مفاجأة . اما من حيث الواقع الديمقراطى الأمريكى لأى محلل سياسى لم تكن مفاجأة بل كانت الأحداث هى المتوقع حتى وإن لم تكن بهذا المستوى الهابط الذى تخطى دول العالم الثالث أو دول الموز مثل ماعبر عن ذلك رؤساء امريكا السابقين . فأحداث الاربعاء الدامى ليست النهاية بل هى ستكون البداية لتغيرات استراتيجية ودراماتيكية فى الديمقراطية الأمريكية بل على مستوى العالم . من المعروف أن النظام السياسى الأمريكى يعتمد على ( واسب) اى الابيض الانجلو ساكسون البروتستانتي . وذلك ومنذ هجرة البروتانيون، وهم البروتستانت الذين هاجروا من انجلترا تحديدا بعد حرب الثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت. وهؤلاء البروتان البروتستانت يؤمنون بما يسمى الحكم الألفى اى عودة المسيح الى العالم ليحكم الف عام وان هذا لا يحدث بغير بناء اليهود لهيكل سليمان مرة أخرى وذلك لا يتم إلا بسيطرتهم على فلسطين فهى ارض الميعاد لأنهم هم شعب الله المختار. وعلى هذا الأساس وذاك البناء كانت امريكا فى يد الابيض الساكسون البروتستانتى. وكان الاستثناء من ذلك وصول كينيدى إلى الحكم وهو كاثوليكي فلم يكمل مدته وأغتيل. ثم كان أوباما الاسود قد جاء بعد متغيرات ومكاسب سياسية حصل عليها السود منذ ستينات القرن الماضى نتاج حركة التحرر التى قادها مارتن لوثر كينج. ولكن نتيجة لتغيرات أمريكية داخلية واقتصادية عالمية كان أهمها الأزمة الاقتصادية عام 2008 إضافة لظهور مايسمى بالشعبوية السياسية مقابل النيوليبرالية والتى أعادت صورة الرأسمالية المتوحشة مرة أخرى ،وغير ذلك الذى مهد على غير الواقع السياسى الأمريكى لوصول ترامب الذى لا علاقة له بالسياسة ولم يكن منضم لأى حزب سياسى ولكنه رجل اعمال لا يعرف ولا يجيد غير الانتهازية بمفهومها الشامل . أجاد ترامب اللعبة مستغلا المتغيرات فى المجتمع الأمريكى التى أعادت فكرة سيطرة الابيض الساكسون البروتستانتى فى مواجهة كل الامريكان ذو الأصول الأفريقية والإسبانية...الخ. إضافة لرفض الأمريكى الاسود ولذا وجدنا ترامب يصدر قوانين تمنع دخول ستة دول إسلامية وعربية إضافة لتبنيه بناء سور بين أمريكا وكندا مكرسا العزلة ومعليا من الابيض رافعا الانجيل أمام الكنيسة عند احداث مقتل الشاب الاسود وذلك نفاقا للشعبوية السائدة الان . وعلى ذلك وبالرغم من كل ذلك حصل ترامب على اصوات اكثر من سبعين مليون ناخب اى أكثر مما حصل عليه عام 2017. فهذا يعنى أن هناك حالة انقسام حقيقية فى الشارع السياسى الأمريكى موجودة ومتراكمة قبل وصول ترامب للحكم. ولذا اعتمد ترامب على هذا الانقسام خاصة اتباعه أو قل التيار الذى تبعه وزايد عليه . ذلك التيار الذى لا علاقة له بديمقراطية امريكا ولا غيرها من الديمقراطيات. فشاهدنا ترامب يتحدث عن تزوير الانتخابات قبل أن تحدث . سمعنا عن المؤامرات التى تحاك لترامب. سمعنا عن مصطلح الدولة العميقة. شاهدنا البلطجة التى لم تحدث لأى مجلس نيابى فى العالم والأهم هو ليس اقتحام الكونجرس ولكن هو اسقاط العلم الأمريكى ورفع علم ترامب بل رفع أعلام وشعارات لجماعات فوضوية تعلن عن نفسها. نعم تم القبض على المقتحمين وتم إعلان فوز بايدن. ولكن نرى وللان الخوف من تعطيل نقل السلطة حتى أن الأمن القومى الأمريكى حشد خمسة عشر ألف جندى لحماية الكونجرس ليوم التنصيب خوفا من تكرار المأساة. وذلك العدد يزيد عن عدد الجنود الامريكان الذين يحتلون أفغانستان والعراق وسوريا !! فماذا يعنى ذلك. المشيدون بالديمقراطية الأمريكية فى نموذجها الأمريكى يقولون إن الديمقراطية وبالرغم من كل ماحدث قد انتصرت فهى الحامى للنظام وللمؤسسات. ولكن نقول هنا هل الديمقراطية الأمريكية التى تصر على تعليمها للدول الأخرى حتى ولو على طريقة السحق والاحتلال مثل ماحدث فى العراق وغيرها، تعنى عدم القبول براى الأغلبية ؟ وهل هذه الديمقراطية تعنى فرض الرأى المخالف لهذه الأغلبية ولو عن طريق البلطجة والإرهاب واسقاط مؤسسات الدولة ؟ لاشك أن أحداث السادس من يناير ستجعل امريكا بعدها غير قبلها بل ستؤثر على المسار الديمقراطى بشكل عام ناهيك عن ذلك الانقسام الشعبى الأمريكى الخطير الذى يؤذن بمتغيرات ستكون لها مالها خاصة على عالمنا العربى الذى لايزال يسير بطريقة رد الفعل ولا علاقة له بأى فعل فى الوقت الذى لا تختلف فيه اى إدارة أمريكية سواء ديمقراطية أو جمهورية فى سياستها الخارجية التى تعتمد على استنزاف المقدرات العربية وعلى تقوية إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية. فهل نسعى إلى فعل ام سنظل منتظرين طوال الوقت ؟
بقلم المفكر جمال أسعد