أثير- سيف المعولي
“من له حيلة فليحتال”، بهذا المثل المشهور يبتدع المُحتالون وسائل وحِيلًا جديدة في جمع “المال الحرام” بعد أن يصوّر لهم الشيطان بأن السعادة تكمن فيه، والهناء يكون في جمعه، والراحة في الاستمتاع به، مُتناسين أن “الشّملة” – قطعة صغيرة من القماش- تشتعل بسارقها في نار جهنم.
نحن اليوم أمام قصة احتيال مُتقَن في الأسلوب، وفني في التخطيط، بل ومسرحي في التنفيذ، وكأنك تُشاهد أحد أفلام بوليود، وعندما نتحدث عن نواتجه فإن الأصفار الستة أمام رقم (10) تُصوّر لك غرابته؛ فنحن نتحدث عن أكثر من عشرة ملايين ريال عماني! تبدأ مسرحية المحتالين باتصال هاتفي يصل لأحد الملّاك الذين يعرضون عقاراتهم للبيع، يوضح المتصل فيه بأنه وسيط من طرف امرأة تُسمّى “الشيخة فلانة” التي تدعوه إلى زيارتها في بيتها، لعقد الصفقة؛ كونها من عائلة تجارية مشهورة ومعروفة من مسندم إلى ظفار!
بعض الملّاك يقبل بهذه الدعوة، لكن البعض منهم يرفضها ويقول: مَن يُريد الشراء مني هو يأتيني؛ ليتم التنسيق بعد ذلك وتحديد موعد لحضور مَن تُسمّى بـ “الشيخة”.
حتى يكتمل مشهد الرفاهية “المزعوم” لا تأتي بمفردها، بل تصحب معها العديد من الأشخاص، وكلٌ له مسمّى ودور مُحدد، أحدهم “فلذة كبدها”، فيتوهّم البائع بأنه “محظوظ” بوجود “هامورة” تريد الشراء منه، ولم يدرِك حينها أن الهامور قد يتحوّل إلى آكلٍ للأخضر واليابس!
يبدأ التفاوض في الشراء بحديث “الشيخة” عن استثماراتها وأملاكها، واستعراض نسخٍ من ملكيات لعقارات باسمها، وباسم عائلتها، بل وتتحدث عن صلتها الوثيقة بأشخاص في مناصب “حسّاسة”، ليزيد الاطمئنان لدى البائع، فيبدأ بـ “التراخي” في شروط البيع، و “يتنازل” عن إجراءات يُفترض القيام بها لإتمام العملية؛ ثقةً واطمئنانًا بـ “المسلسل” الذي مرّ أمام ناظريه. بعد التفاوض ونجاح “الهامورة” في إقناع البائع بالسعر، تعطيه “عربونًا”، و”شيكات” ببقية المبلغ تُصرَف بعد مدة أقلّها شهر، وتطلب منه أن يُعطيها توكيلًا في الكاتب بالعدل “ضمانًا” بما قدمته له، وتعده بأن الإيجارات له، وسيستمر في تسلّمها حتى انتهاء عملية البيع وتغيير الاسم في السجل العقاري.بعد انطواء هذا المشهد، تُظهِر “المُحتالة” وجهًا آخر، فتختفي تارة، وفي أحيان أخرى تقول: “مسافرة”و “مشغولة”، حتى إذا جاء تاريخ الشيك الأول، وارتجع “بدون رصيد” أغلقت هاتفها، وظل البائع في “حيص بيص”.
لا ينتهي المسلسل عند هذه الحبكة؛ فهي ليست درامية كثيرًا، إذ إن المالك لا يزال يتسلّم الإيجارات مُمنيًا نفسه: “عندي العربون، والإيجارات أتسلّمها باستمرار، والعقار باسمي”، ولا يدري “المسكين” بأن ما ينتظره أكثر من الذي مرّ عليه!.
“الصدمة” عندما يتفاجأ البائع بوجود أشخاص أمام بنايته يزعمون بأنهم أصحابها، بل ويُطالبون بالإيجارات، وعندما يشتد الجدال يُخرجون أوراقًا رسمية تُثبِت كلامهم “ملكية رسمية أصلية”، فيعود المشهد إلى البدايات؛ إنها “الوكالة” التي استغلتها مَن تُدّعي أنها “الشيخة” وقامت ببيع العقار عن طريقها بـ “أبخس الأثمان”!. هنا ينكشف “الفخ”، وتكتمل “خيوط” الجريمة، فالأمر كله “احتيال”؛ فهي تدفع العربون، وتحصل على الوكالة، فتبيع العقار بثلث قيمته أو نصفه؛ حتى تتخلص منه سريعًا، وتحصل على عربونها بالضعف، وبالمثال يتضح المقال: تشتري عقارًا قيمته 600 ألف ريال عماني، فتدفع عربونا بـ 100 ألف ريال، وبعد حصولها على الوكالة تبيع العقار بـ 300 ألف ريال، فتربح 200 ألف ريال في غضون أسابيع!!.عرفنا بعد “انكشاف الحقيقة” بأن “المُحتالة” كررت هذا المشهد على نحو عشرة أشخاص، وبإجمالي مبالغ تتجاوز الـ 10 ملايين ريال عماني، و”الشيكات المرتجعة” كفيلة برميها في “غياهب” السجون هي وابنها، لكن السؤال الأهم الآن: لمن تكون العقارات؟ هل لمالكها الأصلي الذي “خُدِع” في ماله، أم للمشتري الذي أخذها “بثمن بخس”، ويقول بأنه “حسن النية”!! تساؤلات ومطالبات رفعها أصحاب هذه العقارات عبر “أثير”، طالبوا فيها القضاء العادل بعدم التركيز على قضية “الشيكات فقط” فقط، بل الالتفات إلى “الاحتيال” واسترجاع عقاراتهم التي “شقوا أعمارهم” في بنائها، كما بعثوا برسالة للجميع: لا تثقوا بأي أحد؛ فـ “شياطين الإنس” كُثُر، و”عضّوا على الإجراءات الرسمية بالنواجذ”
تسلموا بعد هذه القصص وأمثالها؛ هل نتّعظ!