مرَّ عامٌ على تولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- أيده الله- مقاليد الحكم في البلاد، وبكل المقاييس فإنَّ 2020 هو عام الصراع من أجل البقاء، فقد هبَّت عاصفة الفقد العظيم على بلادنا عندما رحل السُّلطان المُؤسس قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ومن ثمَّ حلَّ فيروس كورونا ضيفا ثقيلا وما زال، كما تهاوت أسعار النفط لتعمق جراحنا وتصدمنا الأخبار التي تُفيد بأنَّ الدَّين العام بلغ عنان السماء، ومستوى التصنيف الائتماني تراجع تراجعا كبيرا، فتقلصت الخيارات واختفت الضمانات وانكشفت السياسات المالية في سابقة غير معهودة، وكان على جلالة السلطان أن يتعامل مع هذا الوضع الصعب عبر تصحيح المسارات واتخاذ القرارات التي وصفت بأنها مؤلمة.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا في طريقة العلاج يجب أن نؤمن بأن جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- لم تكن أمامه الكثير من الخيارات كما أن عامل الوقت كان حاسما بحيث يصعب الاستمرار في نهج المسكنات حتى تغرق السفينة وتصل لقاع المحيط وكما يقولون آخر العلاج الكي، وتقوم فلسفة العلاج بالكي على تعميق الإحساس بالألم في موقع الجرح لبعث الروح في المناطق المعطلة من الجسد واستنفار كل دفاعات المناعة لمكافحة المرض؛ فهناك من يرى أن المريض هو المواطن الذي لسعته حديدة الكي عدة مرات خلال عام 2020 وتبعتها أخرى مع بدايات العام الجديد ولا زال موعودا بغيرها في أبريل؛ حيث يتمنى الكثيرون أن تكون كل تلك الأحداث هي من قبيل كذبة أبريل الشهيرة، وأن يطال سيخ الحديد الملتهب كذلك من تسبب فعلياً بتحميل البلاد كل تلك التركة الثقيلة فإعادة جدولة رواتب الشركات الحكومية وتخفيض علاوات المتنفذين فيها هو رأس السنام فقط. فما تم الإعلان عنه رسمياً أن تلك الشركات التي تم اختلاقها ونمت كالفطر هي من تسبب بنصف الدين العام الذي ترزح تحته البلاد اليوم فهل ستتم المحاسبة وهل الكي سيطال الجميع كما زار المواطن في أكثر من مناسبة؟ ثقتنا بأنَّ السلطان سيقلم كل الأظافر الفاسدة وليس علينا إصدار الأحكام المسبقة واستعجال النتائج لعلمنا التام بصعوبة المحاسبة في المناطق المظلمة في المحيط.
إن إغلاق حنفيات الفساد بدأ منذ تولي جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد فقد تم التخلص من جميع الأحمال الثقيلة في الجسم المترهل عن طريق الاستغناء عن خدمات الكثير من المستشارين بلا استشارة أو المختلقين لها عبر بناء أجسام إدارية منافسة للأداء الحكومي، مما أضعف الأصل وعمل على تقوية الفروع، وهذه كانت خطوة جريئة تحسب لجلالته- أيده الله- فتراجع دور الأوصياء، وبطبيعة الحال مثل ذلك جزءا من استعادة الحقوق الكاملة للدولة بحيث يتم بناء فكر وطني قائم على تقديم المصلحة العليا للبلاد على حساب نظرية إرضاء الشركاء أو الداعمين أو الأصدقاء الوهميين الذين امتصوا ثروات البلاد لأكثر من 50 عاماً، وهذا يبني لعلاقات قائمة على التكافؤ لا على التبعية المقيتة التي كلفتنا الكثير وأوصلتنا لهذه المرحلة الصعبة.
لا يجب أن نفكر حتى ولو للحظة في أن الحكومة ترى في جيوبنا حلاً للأزمة، لكنها بدأت بنا، وأظن أنها انتهت فلم يعد هناك شيء يمكن أخذه من المواطن وبات الجميع يترقب ذوبان سنام الفساد المتمركز في مناطق أخرى ظلت تعمل بصمت وكادت أن تغرق السفينة. فحصيلة فروق عدادات الكهرباء وجالونات المياه المستردة لن تمحو الدين العام البالغ حوالي 20 مليارا، لكنها ستعلمنا كيف نرتب أولوياتنا من جديد ونتأقلم مع مواسم القحط، ولا أظن أن إحالة الآلاف للتقاعد المبكر ستحل مشكلة الباحثين عن عمل، لكنها ستوصل لنا رسالة بأن علينا الاعتماد على الذات فوقت الحكومة الراعية قد ولى وبات عنوان المرحلة الجديدة هو الإنسان العُماني المبدع القادر على بناء الفرص.
وعندما وصلت المحاسبة للمناطق المكتنزة أو شارفت عليها بات صياح المواطن العادي أعلى من صوت تلك المناطق السمينة المليئة بالخيرات؛ فالحذر من الاستماع لهؤلاء ممن أداروا ظهورهم لنا وقت الشدائد عبر الدفع بالمواطن العادي لمواجهة الإصلاح الاقتصادي الجديد فهم من نصبوا الخيام لاعتصامات 2011، وهم من كانوا خلف ذلك الضجيج، وهم من أوكل لهم الحل فيما بعد للأسف، لذلك احذروهم فلا سبيل لهم من المحاسبة إلا عبر التحريض وتأليب الرأي العام ضد الإصلاح، فكونوا خلف السلطان، ولا شك لدينا أننا سنتخطى كل العقبات في غضون سنوات محدودة وستصبح عُمان هي النمر الخليجي القادم بقوة للساحة الاقتصادية وسيقود ذلك إلى الرفاه الاجتماعي المنشود ففي العهد الجديد لا وجود لدولة المستشار ولا نفوذ الفاسدين.
في عام 2020 ظل الإعلام هو المنطقة الرخوة في مسيرة العهد الجديد فلم يستطع إعلامنا التقليدي الذي رسمته عقول متكلسة منذ 50 عامًا مواكبة الحدث، لذلك لم تصل رسالة خطة التوازن المالي للمواطن بالشكل الصحيح، فلا يعقل أن يتم بث الخطة من خلال تقرير إخباري مقتضب، بصحبة أشكال وصور بيانية لا تكاد تستقر على الشاشة، ولا يمكن لعرابي الخطة من كبار المسؤولين، أن تتم استضافتهم في أمسية تلفزيونية جامدة ليتحدثوا بمفردهم دون حوار أو مناقشات مع صحفيين أو مراسلي المؤسسات الإعلامية، لقد كان ذلك عملاً ناقصاً وزاد من حجم الضباب حول الخطة، ولذلك وجب التنويه لمن يهمه الأمر.
وشكلت اعتراضات أعضاء مجلس الشورى ختاماً لعام 2020، حيث كالوا اتهامات لمجلسهم وتفننوا في إلصاق الأوصاف به، وبينوا لنا أن بعضهم لم يكن على قدر المسؤولية التي انتخبهم المواطن على أساسها، عندما عجزوا عن مجاراة الحركة التصحيحية في البلاد، ولذلك نسأل لماذا لم يتواصل رئيس المجلس مباشرة مع جلالة السُّلطان المعظم لنقل كل الهموم والتحفظات لجلالته؟ ولماذا انضم لمن تحدثوا عبر منصات التواصل الاجتماعي؟ لقد كان لي مقال بعنوان (وعادت الرئاسة إلى قواعدها سالمة) انصح قرائي بالاطلاع عليه لمعرفة المزيد.
إن جلالة السلطان يقود قاطرة التغيير في البلاد وكثير من المطالب بمساواة الحقوق والواجبات الوظيفية أخذت طريقها للتحقيق، على سبيل المثال لا الحصر، دمج صناديق التقاعد، وإلغاء العلاوات التفضيلية لبعض الجهات، وتقليص علاوات الوزراء والوكلاء ومن في حكمهم، وغيرها، كما تمَّت عملية هيكلة الحكومة وجدولة جهاز الاستثمار العُماني ليستحوذ على شتات الشركات التي أنهكت الاقتصاد ويعمل على دمجها وإعادة هيكلتها، ووضع حساب موحد لجميع الإيرادات تصب فيه كل متحصلات السلطنة. إن كل تلك الخطوات تدعو للتفاؤل بلا شك رغم الشعور بالمرارة أحيانًا من ملامسة تلك السياسة التصحيحية لمقومات الحياة البسيطة للإنسان العادي، وهذا ما يجب إعادة النظر فيه بشيء من الاهتمام في المرحلة القادمة، من خلال تأجيل رفع الدعم عن الكهرباء والمياه حتى يتم إعادة هيكلة تلك القطاعات وحساب الكلف الحقيقية لتلك الخدمات ومقارنتها بنسب الدعم المقررة فلا يمكننا الأخذ بالنسب الحالية التي وضعت منذ قرابة 30 عاماً ومحاسبة المواطن عليها حسب وجهة نظرنا.
في مثل هذا اليوم فقدت بلادي رجلا جاء إليها كالملاك الطاهر من السماء وفي ذات اليوم حكم بلادي رجل سمح بسيط ومتواضع قليل الكلام كثير الأفعال، رأينا في وجهه تحمل المسؤولية وعلو الهمة، وحزم التصحيح؛ فالسلطان هيثم بن طارق- أيده الله- يراهن علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى للسير خلفه بكل ثبات نحو الغد المشرق بإذن الله، ويجب ألا نستمع للمنتفعين الذين تم تجفيف مصادر فسادهم؛ فعُمان- بإذن الله- ستنهض من كبوتها الاقتصادية قريباً إذا آمنا بكل الخطوات الشجاعة والجريئة التي يتخذها السلطان ولم نفسح المجال للمتسلقين والمحرضين ودعاة الفتن.
حفظ الله عُمان وأيد جلالة السلطان بقوته ومنعته وكل عام والجميع بخير .... ولنا لقاء بعد عام بإذن الله.