عبد العزيز بدر القطان
في أول يوم للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في البيض الأبيض، شهدت العراق تفجيرين انتحاريين بأحزمة ناسفة وسط سوق شعبي في ساحة الطيران وسط العاصمة العراقية بغداد، والمفارقة العجيبة، أن الرئيس الجديد وعندما كان ضمن فريق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كان من مشجعي ومؤيدي لا بل من أصحاب فكرة تقسيم العراق، وكأن لا يكفي ما حصدته العراق منذ العام 2003 وإلى يومنا هذا.
هذا التفجير وارتباطه بحدث تصيب بايدن، يعيدنا بالذاكرة إلى الخونة من الساسة العراقيين قبيل العام 2003، الذي خانوا العراق وخانوا شعبهم وكانوا من مشجعيّ الغزو الأمريكي على بلدهم، والجميع يعلم الذريعة الواهية التي أزهقت أكثر من مليون شهيد عراقي، وقافلة الشهداء مذاك لم تتوقف، وبالتالي دم هؤلاء الشهداء برقبة هؤلاء الخونة الذين جلبوا الأجنبي ليقتل شعبهم قبل أن يكون برقبة أي متعطش أجنبي لدماء الأبرياء.
لنتأمل هذا التفجير الذي طال الناس البسيطة أو كما يُقال "على باب الله" تحاول تأمين لقمة عيشها بشرف، ساعون لرزقهم، يريدون وطن يحضنهم لا يقتلهم، هؤلاء الأنقياء لا يجب أن يخضعوا للمتاجرات السياسية ولا لأي طرفٍ كان، ما ذنب من تيتم وما ذنب الأم التي فقدت ابنها او الزوجة التي ترملت أو أو أو، في بلد النفط والخيرات العراق انظروا ماذا حدث وما يزال يحدث، وهذا المشهد مكرر في كل البلاد العربية التي تطالها يد الغدر وهم محرومون من خيراتهم بينما الأجنبي سرقها وأبى أن يُبقي لهم حتى حياتهم.
هذا التفجير رغم أني تسائلت كثيراً، لكن أعيد السؤال على مسامع الجميع، لماذا كل شيء في هذه الحياة غالٍ، إلا الدم العربي والمسلم تحديداً؟ ألم يشبع سماسرة الحرب والمتاجرين بالإنسان من الدماء؟ هل بات اليوم تحصيل المكسب السياسي لا يتم إلا عبر أشلاء الأبرياء في العراق وغيرها؟ لقد تعاقب على البيت الأبيض منذ الغزو الأمريكي لهذا البلد الجميل عدد من الرؤساء وتراهم يقيمون الاحتفالات فرحاً وفي بلادنا العربية والإسلامية هناك العشرات يومياً يسقطون غدراً وإرهاباً لصالح البيت الأبيض! فهل يجوز أن نسميهم قرابين لحكم هؤلاء!
أين الإنسانية؟
انظروا إلى أطفال سوريا واليمن وفلسطين والعراق خاصة المهجرين منهم وهم المنتشرين في مخيمات الدول في هذا البرد ألا توجد وسائل تدفئة لهم سوى التفجيرات بينما الغرب ينعم بخيراتنا ويأخذ كل شيء منّا غصباً، فهم ضحايا الحروب وسماسرتها، لأجل مصالح دنيوية ضيقة، الدم العربي ليس رخيصاً، اتركوه يحيا بسلام، محزن ما يحدث وحدث في بغداد من جروح يأبون لها أن تندمل، مدينة السلام والرشيد والمنصور والعلماء والمحدثين والقرآن الكريم والإسلام والفتوحات لا سلام فيها، إنها مدينة المأمون وأبي حنيفة النعمان ومدينة علي بن أبي طالب والحسين موسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا عليهم السلام، ومدينة الأئمة والصحابة، مدينة أنس بن مالك والحسن البصري وبن سيرين، والكثير الكثير الذين لا يستع المكان لذكرهم.
أربعون عاماً العراق ينزف ويموت، فتفجير الأمس بالتزامن مع تنصيب بايدن ما هو إلا فاتحة لتقسيم هذا البلد، والفوضى الحاصلة خير دليل، وعندما نستمع للتحليلات كل منهم يلقي على الآخر، فهذا يقول الولايات المتحدة وما يسمّى "إسرائيل" هي المسؤولة، وذاك يقول إيران، وذاك يتهم الخليج وتركيا، وآخر يرى أن التفجير لغاية انتخابية، لكن اقول إن المسؤول "غفلتنا" لأننا نحن من قسمنا أنفسنا عندما تحزبنا وانقسمنا مذهبياً إلى صفوف متناحرة وبالتالي ضاع الوطن، فالرئيس الأمريكي الجديد أصبح صاحب سلطة سيحقق مشروعه القديم بتقسيم هذا الوطن الجريح، وبكل أسف ومرارة سيحقق ذلك، بدءاً من الفوضى ثم الطائفية كما العام "2006"، ولن يغادر بايدن الحكم حتى يتم خطته الصهيو – أمريكية وانظروا إلى فريقه في سابقة لم تشهدها الولايات المتحدة قبل، جل الفريق من اليهود، وهذا الوقت المناسب بعد أن تمكنت المحاصصة الطائفية من الدولة وانتشر الفقر والفساد، والعبث.
ما يعنيني هنا هو الإنسان الغالي عند الله تبارك وتعالى "ولقد كرمنا بني آدم"، لكن في هذه السنوات العجاف الإنسان رخيص جداً، كل السياسيين يرقصون على جراحات الأمة العربية والإسلامية وأشلاء الإنسان.
الأجندة الأمريكية
في دراسة قديمة أجراها معهد واشنطن، تتحدث عن العراق في عهد صدام حسين، حول الإطاحة بنظامه ضمن مقاييس أمريكية، منها عدم تخفيض العقوبات أو إلغاء الحصار أو تقليصه (النفط مقابل الغذاء)، ما دام صدام على رأس السلطة، وبالتالي سيكون حلفاء أمريكا أكثر تقبلاً لتصديق الدعاية الأمريكية فيما كان يتعلق بنشاطات لجنة نوع الأسلحة العراقية غير التقليدية وكانت بداية تدمير العراق عملياً، قبيل الغزو بسنوات كثيرة، لقد ذكر تقرير في المركز: "بجب أن تتسم السياسة الأمريكية بالوضوح مع استعداد للرد بقوة على الدولة العراقية، اعتقاداً منا بحتمية قرب المواجهة المستقبلية مع صدام، فمن الأفضل جداً للولايات المتحدة أن توضح أهدافها وتأخذ زمام المبادرة الآن وأرصدتها الإقليمية قوية".
وبصرف النظر عن تقييمي للنظام ما قبل 2003، لكنه كان قوياً، والقاصي والداني يعلم ذلك جيداً، فلقد كان يرعب المنطقة، ما بعد 2003، ترى البعض يروج لمشروع "2006 – 2014"، عندما كانت الحكومة العراقية من لون واحد، لكن الخشية اليوم أن يعود الاقتتال الطائفي ويسبح البلد في برك شلالات دم أبناء الوطن الواحد، اليوم هناك اختراق استخباراتي عالمي بيننا يعمل على التغيير الديموغرافي "الصهيوني" القديم الجديد للمنطقة وتحقيقه لا يتم إلا بضرب المكونات وتهجيرها، فالحذر مهم من الحرب الطائفية التي يدلل عليها تفجير الأمس، اليوم لدرء هذا الخطر يجب تقوية الجبهة الداخلية من خلال تقوية الاقتصاد الداخلي ودعم المنتج الوطني، وأنا كخبير بالقانون ومعرفة واسعة بالدساتير العالمية، العراق يحتاج إلى تعديل فقرتين مهمتين في دستوره، الأول، هو إبعاد رجل الدين عن السياسة في المشهد العراقي، لا فصل الدين عن السياسة، والتعديل الثاني في ظل الظروف الحالية، لا بد من أن يكون في الدستور العراقي قانون يجرم الطائفية كما في سلطنة عمان، وغيرها من الدول التي تحارب الطائفية بكل أشكالها.
يقول هنري كسينجر: "نحن نصدّر الأزمات، ونحن نديرها"، لكن بالمحصلة الناس هم الضحايا في عبث السياسة، لنصبح أرقاماً في حساباتهم الدنيئة، السيادة منقوصة في كل البلاد العربية التي تعيش كذبة الاتفاقيات للدفاع المشترك والحماية فعلى أرض الواقع لا وجود لها، الأمن والأمان نعمتين مفقودتين لأن لا سيادة قائمة وسط السماح لأجندات الغير تقرير مصائرنا.
أخيراً، لا بد من تكرار سؤالي، إلى متى نقبل بالهوان ونسمح بقتلنا، حتى كرامتنا أسقطوها عندما جوعوا الإنسان العربي، نتكلم اليوم بصوت الفقراء والبسطاء الذين يملكون أوطاناً غنية ولا يجدون المأوى، هذا برسم السياسيين الذين يحتاجون هؤلاء البسطاء لانتخابهم، كذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان "الديكور" التي لا تهتم إلا بحقوق الإنسان الغربي وأما الإنسان العربي والمسلم لا حقوق له، أنت السبب يا من سمحت لهم ان يغتالوا فيك الإنسانية والعروبة، أنت السبب، لأننا كنا وقود مشاريعهم، اليوم عروبتنا عوراء وإسلامنا ناقص متخندق بالمذاهب، وتركنا الدين وابتعدنا عن الله تبارك وتعالى، أنت المسؤول أيها العربي وأيها الطائفي، أنت المسؤول.
اليوم نحتاج إلى مشروع أمة لنحمي أوطاننا، لنضع خلافاتنا جانباً، ونحمي بلادنا، الغرب لن يحمينا وجوه فقط ليدمرنا ويسرق خيراتنا، فالإصلاح لن يتحقق إلا بأيدٍ وطنية إسلامية عربية مخلصة للوطن ودستوره. برداً وسلاماً على العراق السلام، تعازينا الحارة لعوائل الشهداء، ونأمل أن ينهض العراق مجدداً ويعود أقوى مما – الكويت.